مشهد حقيقى لمكان الرس حاليا |
كانت الناس قديما تهيم على وجهها فى العبادات ويشتد طغيانهم فى الأرض، منهم أصحاب الرس، سموا بذلك لأنهم رسوا نبيهم في الأرض أى دفنوه فيها، قال المفسرون إن الرس هو اسم بئر عظيمة أو هو البئر التى لم تطو بالحجارة، واختلفوا في موقعه الجغرافي، فقيل إن أصحاب الرس كانوا في حضرموت باليمن، وكانت مدينتهم تسمى الرس، وكانت ذات أشجار وثمار وقرى عامرة، عبد جزء من سكانها الأصنام وجزء منهم عبد النار.
وقيل إن الرس بئر قرب اليمامة يسمى "فلجا" وهم بقية ثمود، والآن هى بلدة "ليلى" الواقعة على بعد 300كم إلى الجنوب من الرياض، وكان أصحاب الرس يعبدون شجرة الصنوبر، فدعا عليها نبيهم فيبست، فقتلوه وألقوه في البئر، فأظلتهم سحابة سوداء أحرقتهم، والرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك.
"كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود" سورة ق آية (12)
قوم أتاهم الله من فضله، وأفاض عليهم من الخير ما لم يكن فى غيرهم، كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطيء نهر يقال له الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر منها، وقيل إنهم اتخذوا من شجرة الصنوبرة إلها فأضلهم الشيطان، فكان يحركها تحريكا شديدا ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين، ففرحوا بضلالهم وأسرفوا في ظلمهم، حتى جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا، فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيا من بني إسرائيل من ولد يهوذا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته.
عندما بعث الله تبارك وتعالى نبيا إلى أهل الرس لم يؤمن من أهلها إلا رجل أسود، واعتدوا على نبيهم وكذبوه وآذوه ووصل بهم الطغيان إلى أن ألقوه في البئر، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، وكان ذلك العبد كما ذكرت كتب التفسير والسيرة يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، فيشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى البئر، فيرفع تلك الصخرة، فيعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يعيدها كما كانت، وظل هكذا إلى ما شاء الله أن يكون، ثم ذهب يوما يحتطب، كما كان يصنع، فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحملها أخذه النوم فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما، ثم قام من نومه فتمطى، وتحول لشقه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم قام من نومه فاحتمل حزمته، وهو يظن أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يفعل، وذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده، وقد بدا لقومه شيء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه، فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون : ما ندري، حتى قبض الله النبي، فأقام الله الأسود من نومته بعد ذلك، وفى هذه القصة كما رواها الطبرى في تفسيره لهذه الآية أراء منها أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته، إذن ينبغي ألا يكونوا المعنيين بقوله تعالى : (وأصحاب الرس) لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم تدميرا، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به.
وكان للقرطبى رأى أورده فى تفسيره وهو أن أصحاب الرس هم أول من عمل نساؤهم السحق، وأنهم كانوا يستحسنون لنسائهم السحق، وكان نساؤهم كلهن سحاقات، وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أشراط الساعة أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السحق )، وورد فى أكثر كتب التفسير من أن أصحاب الرس بعد أن رسوا نبيهم، أهلكهم الله تعالى، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد، ثم أتى الله بقرن بعد ذلك فنزلوها، وكانوا صالحين سنين، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعوا ابنته وأخته وزوجته فيعطيها جاره وأخاه وصديقه، يلتمس بذلك البر والصلة، ثم ارتفعوا من ذلك إلى نوع أخزى، هو ترك الرجال للنساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال، فجاءت شيطانتهن في صورة امرأة فعلمت النساء السحاق وعلمتهن كيف يضعن، حيث يذكر أن (الدلهات) ابنة إبليس حببت النساء في ذلك الفعل، فسلط الله عليهم صاعقة في أول الليل وخسفا في آخره، وخسفا مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت مساكنهم.
وفى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ذكر أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفى أرضهم جميعها وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات حزنوا عليه حزنا شديدا، ما هى إلا أيام وتصور لهم الشيطان فى صورته وقال لهم إنى لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، فصدقه أكثرهم وعبدوه، فبعث الله فيهم نبيا وأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء حجاب ونهاهم عن عبادته وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.
نشرت يوم الثلاثاء 11 رمضان 1430هـ / 1-9-2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: