مكان اليوم من الأماكن التى حيرت المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين، حتى اكتشفت أخيرا بعثة أوروبية من وكالة ( ناسا) منطقة تحت الرمال حددها المؤرخون والأثريون بأنها بين اليمن وعمان، وهى الآن تسمى ( الشيصار)؛ وجد بها العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا إلى أواسط آسيا شرقا....
وبعد دراسة مستفيضة أجمعوا على أنها آثار عاصمة ملك عاد التي ذكرها القرآن الكريم باسم ( إرم) كما جاء في سورة الفجر، والتي قدر عمرها بالفترة من3000 ق.م.
وقد نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفة رملية غير عادية، وعلى الفور تشكل فريق بحث علمى فى كل التخصصات كان منهم الدكتور العالم زغلول النجار من مصر، وفى عددها الصادر بتاريخ 17/2/1992 نشرت مجلة ( تايم) الأمريكية تعلن فيه عن هذا الكشف، فكتب أنه" تم اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران بأبراج فى زواياها مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار وقطرها إلى 3 أمتار، ربما تكون هى التى وصفها القرآن الكريم بـ" ذات العماد "، وكتبت صحف العالم عن هذا الاكتشاف، لكن قامت حرب الخليج فتم التعتيم على هذا الاكتشاف وتوقف البحث فيه لأهداف سياسية ودينية.
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد" سورة الفجر الآيات ( 6 و7 و8 )
مدينة كانت عامرة غنية قوية شكلت قلب العالم فى زمانها فكانت الرائدة الزاهرة بعلمها وتقدمها فى مختلف العلوم، كان منها علوم الفن المعمارى حتى وصفها القرآن الكريم بـ ( ذات العماد)، حيث كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة، وكعادة الجبابرة والطغاة لم يشكروا نعمة الله عليهم فظلموا وطغوا فعاقبهم الله بعاصفة رملية وريح شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال فجعلت مدينتهم بكل صخبها وقصورها وهيمنتها كأن لم تكن.
يذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية اختلاف أهل التأويل في معنى ( إرم) فقال بعضهم : اسم بلدة وهى الإسكندرية، وقيل هى دمشق، والصواب أن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردت على عاد للإتباع لها، وإما اسم قبيلة، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة، وقوله :( ذات العماد) قال بعضهم معناه : ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل : رجل معمد، وقالوا : كانوا طوال الأجسام، بل قيل لهم ( ذات العماد) لأنهم كانوا أهل عمد، ينتجعون الغيوث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم .
جاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القرآن الكريم، سميت إحداهما باسم نبيهم هود ـ عليه السلام ـ وسميت الأخرى باسم موطنهم الأحقاف، وفي عشرات الآيات القرآنية الأخرى التي تضمها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم جاء ذكرهم أيضا.
جاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القرآن الكريم، سميت إحداهما باسم نبيهم هود ـ عليه السلام ـ وسميت الأخرى باسم موطنهم الأحقاف، وفي عشرات الآيات القرآنية الأخرى التي تضمها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم جاء ذكرهم أيضا.
ذكر الشيخ حسنين مخلوف في تفسيره "صفوة البيان لمعاني القرآن" أن (عاد) هو: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، سمي أولاده باسمه، وقيل لأوائلهم وهم الذين أرسل إليهم هود عليه السلام، وعاد الأولي تسمية لهم باسم أبيهم، و( إرم) تسمية لهم باسم جدهم، وقيل لمن بعدهم عاد الآخرة، و( إرم) بدل أو عطف بيان لـ(عاد)، وقيل:إن( إرم) قبيلة من(عاد) وهي بيت ملكهم، فهي بدل بعض من كل، و( ذات العماد) صفة لقبيلة ( إرم) أي ذات الأعمدة التي ترفع عليها بيوت الشعر، إذ كانوا أهل خيام وعمد ينتجعون الغيوث ويطلبون الكلأ حيث كان، ثم يعودون إلى منازلهم، وقيل: ذات الرفعة والعزة،( لم يخلق مثلها..) صفة أخرى لها، أي لم يخلق في بلادهم مثلها في الأيد والشدة وعظم الأجسام....
وللكشف عن حقيقة هؤلاء القوم ذكر المفسرون أمثال الطبرى والسيوطى والقزوينى فى تفسيرهم لهذه الآية أنهم كانوا من( العرب البائدة)، وهو تعبير يضم أمما كثيرة بادت واندثرت قبل بعثة النبى ـ صلي الله عليه وسلم ـ بمئات السنين، ذكرنا بعضهم فى حلقات ماضية.
وللكشف عن حقيقة هؤلاء القوم ذكر المفسرون أمثال الطبرى والسيوطى والقزوينى فى تفسيرهم لهذه الآية أنهم كانوا من( العرب البائدة)، وهو تعبير يضم أمما كثيرة بادت واندثرت قبل بعثة النبى ـ صلي الله عليه وسلم ـ بمئات السنين، ذكرنا بعضهم فى حلقات ماضية.
وقال المفسرون: إن مساكن قوم عاد كانت بالأحقافـ جمع حقف، أي الرمل المائل ـ وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا، ومعظم الربع الخالي شمالا، وعمان شرقا، وأن نبيهم كان سيدنا هود ـ عليه السلام ـ وأنه بعد هلاك الكافرين من قومه سكن نبي الله هود أرض حضرموت حتي مات ودفن فيها قرب(وادي برهوت) إلى الشرق من مدينة (تريم)، أما عن( إرم ذات العماد) فقد قالوا إنها كانت من بناء شداد بن عاد طمرتها الرمال فهي لا تعرف الآن، وإن ثارت من حولها الأساطير.
وذكر محمد على الصابونى ـ أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية ـ فى تفسيره "صفوة التفاسير" أن هذه الآية خطاب من الله عز وجل لنبيه .. أى ألم يبلغك يا محمد ويصل إلى علمك ماذا فعل الله بعاد، وهم قوم هود؟( إرم ذات العماد) أي عادا الأولي أهل ( إرم) ذات البناء الرفيع، الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عمان وحضرموت، ( التي لم يخلق مثلها في البلاد) أي تلك القبيلة التي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم وشدتهم، وضخامة أجسامهم.
ولا يصدق أحد أن الربع الخالي، وهو من أكثر أماكن الأرض قحولة وجفافا اليوم، كان مليئا في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والبساتين والأنعام والينابيع والقصور والعمران والبشر، كما أخبرنا القرآن الكريم، وكما وصفها علماء قدامى عاصروا هذه المدينة قبل هلاكها وكانوا قد رسموا لها الخرائط وكتبوا ونقلوا عنها أوصافا دقيقة أكد صحتها الاكتشاف الحديث ـ فسبحان الله.
نشرت بجريدة (السياسة الكويتية) يوم الخميس 27 رمضان 1430 هـ / 17-9- 2009