الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

إرم






أماكن فى القرآن

إرم

على جاد

مكان اليوم من الأماكن التى حيرت المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين، حتى اكتشفت أخيرا بعثة أوروبية من وكالة ( ناسا) منطقة تحت الرمال حددها المؤرخون والأثريون بأنها بين اليمن وعمان، وهى الآن تسمى ( الشيصار)؛ وجد بها العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا إلى أواسط آسيا شرقا‏....

وبعد دراسة مستفيضة أجمعوا على أنها آثار عاصمة ملك عاد التي ذكرها القرآن الكريم باسم ‏( ‏إرم‏)‏ كما جاء في سورة الفجر‏،‏ والتي قدر عمرها بالفترة من‏3000‏ ق‏.‏م‏.
‏وقد نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفة رملية غير عادية‏، وعلى الفور تشكل فريق بحث علمى فى كل التخصصات كان منهم الدكتور العالم زغلول النجار من مصر، وفى عددها الصادر بتاريخ 17/2/1992 نشرت مجلة ( تايم) الأمريكية تعلن فيه عن هذا الكشف، فكتب أنه" تم اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران بأبراج فى زواياها مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار وقطرها إلى 3 أمتار، ربما تكون هى التى وصفها القرآن الكريم بـ" ذات العماد "، وكتبت صحف العالم عن هذا الاكتشاف، لكن قامت حرب الخليج فتم التعتيم على هذا الاكتشاف وتوقف البحث فيه لأهداف سياسية ودينية.

"ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد" سورة الفجر الآيات ( 6 و7 و8 )


مدينة كانت عامرة غنية قوية شكلت قلب العالم فى زمانها فكانت الرائدة الزاهرة بعلمها وتقدمها فى مختلف العلوم، كان منها علوم الفن المعمارى حتى وصفها القرآن الكريم بـ ( ذات العماد)، حيث كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة، وكعادة الجبابرة والطغاة لم يشكروا نعمة الله عليهم فظلموا وطغوا فعاقبهم الله بعاصفة رملية وريح شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال فجعلت مدينتهم بكل صخبها وقصورها وهيمنتها كأن لم تكن.


يذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية اختلاف أهل التأويل في معنى ( إرم) فقال بعضهم : اسم بلدة وهى الإسكندرية، وقيل هى دمشق، والصواب أن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردت على عاد للإتباع لها، وإما اسم قبيلة، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة، وقوله :( ذات العماد) قال بعضهم معناه : ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل : رجل معمد، وقالوا : كانوا طوال الأجسام، بل قيل لهم ( ذات العماد) لأنهم كانوا أهل عمد، ينتجعون الغيوث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم .

جاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القرآن الكريم، سميت إحداهما باسم نبيهم هود‏ ـ عليه السلام‏ ـ‏ وسميت الأخرى باسم موطنهم الأحقاف‏، وفي عشرات الآيات القرآنية الأخرى التي تضمها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم جاء ذكرهم أيضا.
ذكر الشيخ حسنين مخلوف في تفسيره "صفوة البيان لمعاني القرآن" أن (عاد) هو‏:‏ عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام‏، سمي أولاده باسمه، وقيل لأوائلهم وهم الذين أرسل إليهم هود عليه السلام، وعاد الأولي تسمية لهم باسم أبيهم‏،‏ و( إرم) تسمية لهم باسم جدهم‏،‏ وقيل لمن بعدهم عاد الآخرة‏،‏ و‏( ‏إرم‏)‏ بدل أو عطف بيان لـ‏(‏عاد‏)، وقيل‏:‏إن‏(‏ إرم‏)‏ قبيلة من‏(‏عاد‏)‏ وهي بيت ملكهم‏،‏ فهي بدل بعض من كل‏، و(‏ ذات العماد‏)‏ صفة لقبيلة ‏(‏ إرم‏)‏ أي ذات الأعمدة التي ترفع عليها بيوت الشعر‏،‏ إذ كانوا أهل خيام وعمد ينتجعون الغيوث ويطلبون الكلأ حيث كان‏،‏ ثم يعودون إلى منازلهم‏،‏ وقيل‏:‏ ذات الرفعة والعزة‏،(‏ لم يخلق مثلها‏..)‏ صفة أخرى لها‏،‏ أي لم يخلق في بلادهم مثلها في الأيد والشدة وعظم الأجسام‏....

وللكشف عن حقيقة هؤلاء القوم ذكر المفسرون أمثال الطبرى والسيوطى والقزوينى فى تفسيرهم لهذه الآية أنهم كانوا من‏(‏ العرب البائدة‏)،‏ وهو تعبير يضم أمما كثيرة بادت واندثرت قبل بعثة النبى‏ ـ صلي الله عليه وسلم ـ بمئات السنين‏، ذكرنا بعضهم فى حلقات ماضية.
وقال المفسرون: إن مساكن قوم عاد كانت بالأحقاف‏ـ جمع حقف، أي‏ الرمل المائل ـ‏ وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا‏، ومعظم الربع الخالي شمالا،‏ وعمان شرقا‏،‏ وأن نبيهم كان سيدنا هود‏ ـ عليه السلام ـ‏ وأنه بعد هلاك الكافرين من قومه سكن نبي الله هود أرض حضرموت حتي مات ودفن فيها قرب‏(‏وادي برهوت‏)‏ إلى الشرق من مدينة (تريم)‏، أما عن‏(‏ إرم ذات العماد‏)‏ فقد قالوا إنها كانت من بناء شداد بن عاد طمرتها الرمال‏ فهي لا تعرف الآن‏،‏ وإن ثارت من حولها الأساطير‏.‏

وذكر محمد على الصابونى ـ أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية ـ فى تفسيره "صفوة التفاسير‏" أن هذه الآية خطاب من الله عز وجل لنبيه .. أى ألم يبلغك يا محمد ويصل إلى علمك ماذا فعل الله بعاد، وهم قوم هود؟‏( ‏إرم ذات العماد‏)‏ أي عادا الأولي أهل ( إرم) ذات البناء الرفيع‏،‏ الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عمان وحضرموت، ‏(‏ التي لم يخلق مثلها في البلاد‏)‏ أي تلك القبيلة التي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم‏‏ وشدتهم‏،‏ وضخامة أجسامهم‏.‏


ولا يصدق أحد أن الربع الخالي‏،‏ وهو من أكثر أماكن الأرض قحولة وجفافا اليوم‏، كان مليئا في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والبساتين والأنعام والينابيع والقصور والعمران‏ والبشر، كما أخبرنا القرآن الكريم، وكما وصفها علماء قدامى عاصروا هذه المدينة قبل هلاكها وكانوا قد رسموا لها الخرائط وكتبوا ونقلوا عنها أوصافا دقيقة أكد صحتها الاكتشاف الحديث ـ فسبحان الله.


نشرت بجريدة (السياسة الكويتية) يوم الخميس 27 رمضان 1430 هـ / 17-9- 2009 

الأخدود




أماكن فى القرآن

الأخدود


علي جاد


مكان اليوم عاش فيه قوم آمنوا بالله فأنكروا ألوهية البشر، فكان عقابهم الموت حرقا لاتخاذهم إلها غير ملك مدينتهم، لم يعلم عنهم أحد شيئا حتى ورد ذكرهم فى القرآن الكريم، أصحاب الأخدود .. سموا بذلك لأن ملك هذه المدينة أمر بحفر شق فى الأرض وإشعال النار فيه ليلقى كل من عصاه فى هذا الأخدود..
كان هذا المكان بأحداثه البشعة فى شبه الجزيرة العربية، وأخيرا تم اكتشاف بعض آثار مدينة قديمة بالسعودية دلت على أنها مدينة الأخدود، وهى حاليا تسمى " رقمات " وتقع على مساحة 5 كيلومترات مربعة على الحزام الجنوبي من وادي منطقة نجران (جنوب السعودية)، وقد صرح صالح آل مريح مدير إدارة الآثار بمنطقة نجران بأن منطقة الأخدود الأثرية تحتاج إلى ما يقارب 30 سنة لمعرفة جميع أسرارها، وأن ما تم اكتشافه للآن لا يمثل إلا جزءا من آثارها ومعالمها، وأن العظام الهشة السوداء والرماد الكثيف شاهدة على الحريق الهائل الذى لحق بمدينة الأخدود في عام 525 من الميلاد، وللآن تروي تلك الأطلال والمباني قصة أصحاب الأخدود.

" قُتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود"سورة البروج آية (4 و 5)

أصحاب الأخدود هم قوم كانوا ضحية ملك كافر ادعى الإلوهية وهيمن على قومه حتى قال لهم ما لكم من إله غيري، فظهر فيهم فتى آمن، فصبر وثبت فآمنت معه قريته، ذكر الطبرى قصتهم فى تفسيره لهذه الآية، وكذلك وجدت تفصيلها في صحيح الإمام مسلم، فقد ذكر الإمام أنه كان فى قرية أصحاب الأخدود غلام نبيه، لم يكن قد آمن بعد، وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الإلوهية، وكان للملك ساحر يستعين به، وعندما تقدّم العمر بالساحر، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلمه السحر ليحل محله بعد موته، فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر، فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه السحر..

وفي طريقه كان يمر على راهب، فجلس معه مرة وأعجبه كلامه، فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر، وكان الساحر يضربه إن لم يحضر، فشكى ذلك للراهب، فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر..

وكان في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس، فقال الغلام في نفسه، اليوم أعلم أيهما أفضل، الساحر أم الراهب، ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، ثم رمى الحيوان فقلته، ومضى الناس في طريقهم، وتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث، فقال له الراهب: يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدل علي.

يقول الطبرى :كان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض، فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره، فجمع هدايا كثيرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني، فأجاب الغلام: أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى، فذهب وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ فأجاب الجليس بثقة المؤمن: ربّي، فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك الله، فثار الملك، وأمر بتعذيبه..

فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلهم على الغلام، فأمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال الغلام: إني لا أشفي أحدا، إنما الذى يشفي هو الله، فأمر الملك بتعذيبه، فعذّبوه حتى دلهم على الراهب، فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى الراهب ذلك، وجيئ بمنشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نشر فوقع نصفين، ثم أحضر جليس الملك، وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى ففعل به كما فعل بالراهب، ثم جيئ بالغلام وقيل له: ارجع عن دينك فأبى الغلام، فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره إما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل..

فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعى الفتى ربه: اللهم اكفنيهم بما شئت، فاهتز الجبل وسقط الجنود، ورجع الغلام يمشي إلى الملك، فقال الملك: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم الله تعالى، فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة، والذهاب به لوسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقائه..

فذهبوا به فدعى الغلام الله: اللهم اكفنيهم بما شئت فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام، ثم رجع إلى الملك، فسأله الملك باستغراب: أين من كان معك؟ فأجاب الغلام المتوكل على الله: كفانيهم الله تعالى، ثم قال للملك: إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به، فقال الملك: ما هو؟ فقال الفتى المؤمن: أن تجمع الناس في مكان واحد، وتصلبني على جذع، ثم تأخذ سهما من كنانتي، وتضع السهم في القوس، وتقول: " بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني، فإن فعلت ذلك قتلتني.

يقول الإمام مسلم، استبشر الملك بهذا الأمر، فأمر على الفور بجمع الناس، وصلب الفتى أمامهم، ثم أخذ سهما من كنانته، ووضع السهم في القوس، وقال: باسم الله ربّ الغلام، ثم رماه فأصابه فقتله، فصرخ الناس: آمنا بربّ الغلام، فهرع أصحاب الملك إليه وقالوا: أرأيت ما كنت تخشاه! لقد وقع، لقد آمن الناس، فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيها ثم أمر جنوده بتخيير الناس، فإما الرجوع عن الإيمان أو إلقائهم في النار ففعل الجنود ذلك، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها، فخافت أن تُرمى في النار، فألهم الله الصبي أن يقول لها: يا أمّاه اصبري فإنك على الحق.

نشرت يوم الأربعاء 26 رمضان 1430 هـ / 16-9-2009
حدث خطأ فى موقع الجريدة على النت .. فلم أتمكن من وضع رابط الحلقة كالعادة

القرية







أماكن فى القرآن

القرية

علي جاد


كل الأماكن التى تعرضنا لها كانت شاهدة على أفعال البشر بكل تفاصيلها، حلوها ومرها .. خيرها وشرها .. كفرها وإيمانها، وكأنها كتاب سطر فيها البشر أحداث حياتهم .. 

فاليوم نحن فى أنطاكية على حدود تركيا، بصحبة آية من آيات القرآن الكريم ذكرت هذه المدينة أو القرية، فهى واحدة من أشهر المدن الست عشرة التي أنشأها في مستهل القرن الثالث عشر، أحد القادة الذين خلفوا الإسكندر المقدوني، وتقع في شمال غربي سورية على نهر العاصي قرب مصبه.. يذكر ياقوت الحموى فى كتابه " معجم البلدان " أن أنطاقية عاشت حياة زاهرة قضت عليها الأطماع والتآمر على امتلاكها، فقد احتلها الرومان سنة 64 ق.م فدمروها بعد أن عرفت ازدهارا سياسيا وتجاريا وعمرانيا كبيرا..

 وفى سنة 528 م هجرها أهلها قبل أن تدمر الزلازل ما تبقى من مبانيها وسكانها، فتحها المسلمون بقيادة عبيدة ابن الجراح سنة 16 هـ/ 637م في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم انتزعها البيزنطيون سنة 966م، وظلت خاضعة لحكمهم حتى استولى عليها الصليبيون سنة 1098م، وظلت المدينة فى يد الصليبيين فى الفترة الواقعة بين القرنين الثانى والثالث عشر حتى قيام الظاهر بيبرس بتحريرها منهم سنة 1268م، وبقيت تحت حكم المماليك إلى أن سقطت بيد العثمانيين سنة 1517م، وغدت واحدة من مدن سورية بعد التحرر من الحكم العثماني وألحقت إداريا بلواء اسكندرون الذي اقتطعته تركيا من سورية سنة 1939م، وهى الآن مزار سياحى يقصدها السياح لأهميتها التاريخية والدينية.

" واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " سورة يس الآية (13)

بداية أذكر ما اتفق عليه المفسرون والعلماء فى ماهية القرية المذكورة فى الآية الكريمة، فقد ذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية وكذلك القرطبى، والإمام مسلم فى " صحيح البخارى " أن هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين، نسبت إلى أهل أنطبيس وهو اسم الذي بناها ثم غير الاسم لما تم تعريبه، وكان بها فرعون يقال له أنطيخس بن أنطيخس يعبد الأصنام، فأرسل الله إليه ثلاثة : وهم صادق، وصدوق، وشلوم، والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم، بأن يضرب لقومه مثلا بأصحاب القرية، وإنذار هؤلاء المشركين أن يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل، قيل : رسل من الله على الابتداء، وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله .

وذكر الأندلسى فى (التفسير الكبير) أن القرية المقصودة فى الآية الكريمة هى أنطاكية، يقول الأندلسى: لا خلاف في قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون الثلاثة، جمعهم في المجيء وإن اختلفوا في زمن المجيء، والظاهر من قوله تعالى "أرسلنا" أنهم أنبياء أرسلهم الله، ويدل عليه قول المرسل إليهم "ما أنتم إلا بشر مثلنا"، وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله، وهذا قول ابن عباس وكعب، وقال قتادة وغيرهم إنهم من الحواريين بعثهم عيسى - عليه السلام - حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه، فافترق الحواريون في الآفاق، فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية، وكان أهلها عباد أصنام، "فكذبوهما" أي كذبوا دعواهم إلى الله، وأخبرا بأنهما رسولا الله، " فكذبوهما فعززنا بثالث": أي قوينا وشددنا، فراجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط، وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم، ووصف البلاغ بالمبين، وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال، كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت.

جاء خبر الرسل الثلاثة بأنهم كانوا مرسلين من عيسى ـ عليه السلام ـ فذكر ابن مسعود البغوى فى "تفسير البغوى" أن عيسى بعث رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار، فقال الشيخ لهما : من أنتما ؟ فقالا : رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال : أمعكما آية ؟ قالا : نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فقال الشيخ : إن لي ابنا مريضا منذ سنين، قالا : فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت - بإذن الله - صحيحا، فانتشر الخبر في المدينة، وشفى الله - تعالى - على أيديهما كثيرا من المرضى، وكان حاكم المدينة ملك اسمه إنطيخس، وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، عندما عرف بخبر ما فعلاه دعاهما، فقال : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى، قال : وفيم جئتما ؟ قالا : ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر، فقال : ألكما إله دون آلهتنا ؟ قالا : نعم، من أوجدك وآلهتك، قال : قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في سوق المدينة، قال ابن إسحاق عن كعب ووهب : إن الملك أجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيب النجار، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله - عز وجل : " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قومى اتبعوا المرسلين " سورة يس الآية (20).

نشرت يوم الثلاثاء 25 رمضان 1430 هـ / 15 -9-2009

مقام إبراهيم





مقام إبراهيم


على جاد

مكان له مكانة لدى المسلمين كان قبل الإسلام يحظى بالمكانة نفسها، حتى إنهم جعلوا منه مزارا مقدسا والآن هو أثر إسلامى حفظه الله منذ إقامة القواعد من البيت العتيق، هو الحجر الذى وقف عليه الخليل عليه الصلاة والسلام حتى بنى الكعبة، وهو حجر رخو من نوع حجر الماء، لونه بين البياض والسواد والصفرة، مربع الشكل ويبلغ طوله نحو نصف متر، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه نبي الله إبراهيم الخليل (عليه الصلاة والسلام) حين ارتفع بناؤه للبيت، وشق عليه تناول الحجارة، فكان يقوم عليه ويبني، وإسماعيل (عليه السلام) يناوله الحجارة، وهو أيضا الحجر الذي قام عليه للنداء والأذان بالحج في الناس، والمقام حجر ليس بصنوان لونه بين الصفرة والحمرة وهو إلى البياض أقرب، وقد غاصت قدما الخليل فى هذا الحجر، فعمق إحدى القدمين 10 سم والأخرى 9سم، وقد انمحى أثر الأصابع مع مرور الأيام .


"وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى .." سورة البقرة (آية 125)


كان المقام ملصقا بجدار الكعبة قديما، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، كما وصف ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية، وكان الخليل عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك، ولهذا أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أمرنا بإتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر "، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب :" وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب، قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فدخلت عليهن فقلت إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن حتى أتت إحدى نسائه قالت : يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت فأنزل الله (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات .. ) سورة التحريم الآية ( 5 ).


أصبح الحجر بعد ذلك أداة أسهمت فى بناء الكعبة فكان لزاما الحفاظ عليه إذ لا يعد كسائر الأحجار، ذكر ابن كثير والطبرى فى تفسيريهما لهذه الآية حديثا رواه البخاري بسنده عن عمرو بن دينار قال: سمعت عمر يقول " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين"، يقول ابن كثير فهذا كله مما يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة، ولما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، وكلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها، وهكذا حتى تم بناء جدران الكعبة، وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه ولم يزل هذا معروف تعرفه العرب في جاهليتها، ولهذا قال : أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية : وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل .. أما الحفرتان الموجودتان فهما ناتجتان عن غوص قدما سيدنا إبراهيم في الحجر بعد أن لينه الله له.


في صحيح البخاري روى من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) في قصة إبراهيم (عليه السلام) وبنائه للبيت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فعند ذلك رفعا إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت؛ فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجر وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"، ذكر هذا الحديث ابن كثير والطبرى فى تفسيريهما لهذه الآية وذكرا أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب "، وفى زمن عمر بن الخطاب لما دخل السيل الحرم المكى الشريف اقتلع المقام من مكانه، ولكن عمر رضى الله عنه بمشاورة أصحابه أعاده إلى مكانه.

وفى جلسة رابطة العالم الإسلامى المنعقدة بتاريخ (25 من ذي الحجة 1384هـ) صدر قرار من الرابطة بإزالة جميع الزوائد الموجـودة حول المقام، وإبقـاء المقام في مكانه على أن يُجعل عليه صندوق من البلور السميك القوي، وفى الثامن من شهر رجب سنة 1387هجرية وضع المقام داخل غطاء زجاجى مصنوع من البلور الفاخر على قاعدة رخامية، وأحيط هذا الغطاء بحاجز حديدي، وعملت له قاعدة من الرخام نصبت حول المقام لا تزيد مساحتها على 180 في 130 سنتيمترا بارتفاع 75 سنتيمترا، واتسعت رقعة المطاف وتسنى للطائفين أن يؤدوا مناسك الطواف في راحة ويسر، وخفت وطأة الزحام كثيرا.


نشرت يوم الإثنين 24 رمضان 1430 هـ / 14 -9-2009

مصر




أماكن فى القرآن

مصر
على جاد

مكان عرف قديما وحديثا، ومنذ آلاف السنين ويعد قلب العالم، تمتع بموقع جغرافي متميز، فكان ملتقي قارات العالم القديم أفريقيا وأسيا وأوروبا، مصر .. ذكرت فى القرآن الكريم أكثر من مرة كانت أشهرها فى قصة سيدنا يوسف وموسى عليهما السلام...

وكانت على الدوام ملتقى للتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، وكانت البرزخ الذي مرت منه الديانات السماوية إلي العالم، فانعكس كل ذلك على تكوين الإنسان المصري، ليتمسك بقيم التسامح والاعتدال والتفاعل مع الآخر، وقد شهدت مصر خلال الحكم الإسلامي نهضة شاملة فى العمران والفنون تمثلت فى العمارة الإسلامية بإنشاء العديد من المساجد والقلاع والحصون والأسوار، كذلك الفنون الزخرفية التى تمثلت فى أول عاصمة إسلامية فى مصر، وهى مدينة الفسطاط، وبها جامع عمرو بن العاص ويعد مقياس النيل بجزيرة الروضة أقدم أثر مصرى إسلامى والذى أنشأه الخليفة العباسى المتوكل بالله عام 245هـ.

"فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" سورة يوسف آية (99)

شهدت أرض مصر الكثير من الأحداث القرآنية لأنبياء فروا منها وأنبياء رحلوا إليها ليلتمسوا فيها الأمان، ففى قصة سيدنا يوسف ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية أن الله تعالى يخبر عن ورود يعقوب ـ عليه السلام ـ على يوسف، وقدومه بلاد مصر لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين فتحملوا عن آخرهم، وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر....

فلما أخبر يوسف ـ عليه السلام ـ باقترابهم خرج لتلقيهم، وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ ويقال إن الملك خرج أيضا لتلقيه، ثم لما وصلوا باب البلد قال :" ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " اسكنوا مصر إن شاء الله آمنين، أي مما كنتم فيه من الجهد والقحط ؟ ويقال إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم، كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أهل مكة حين قال(اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه وأرسلوا أبا سفيان في ذلك فدعا لهم فرفع عنهم بقية ذلك ببركة دعائه ـ عليه السلام....

لقاء تملؤه اللهفة والشوق مدفوعا بحب أبوى ظل ملتاعا حيرانا قلقا على ابنه، لقاء بين نبيين على أرض مصر، ذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية وصفا لهذا اللقاء، قال : لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرا، وقال : ائتوني بأهلكم أجمعين ! فحمل يعقوب وإخوة يوسف، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه قال : وركب معه أهل مصر؛ وكانوا يعظمونه، فلما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ أحد أبنائه يقال له يهوذا، قال : فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال : يا يهوذا هذا فرعون مصر ؟ قال : لا، هذا ابنك، قال : فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال : السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني، هكذا قال : "يا ذاهب الأحزان عني".

فرعون مصر ونبى الله موسى قصة عرفها الناس، بل يسترجع التاريخ أحداثها كل يوم وتدور أحداثها مع اختلاف الأشخاص والأدوار وطرق الاختلاف والاتفاق، يقول المولى عز وجل : "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين" سورة يونس الآية (87)، ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية كيف بين سبحانه وتعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه وكيفية خلاصهم منهم، وذلك أن الله تعالى أمر موسى وأخاه هارون ـ عليهما السلام ـ أن يتبوآ أي يتخذا لقومهما بمصر بيوتا..

واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: " واجعلوا بيوتكم قبلة "، عن ابن عباس قال أمروا أن يتخذوها مساجد، وقد كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم، فلما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه وضيقوا عليهم أمروا بكثرة الصلاة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال : قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة، فأذن الله تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة خوفا من فرعون أن يقتلهم.

وعندما بحثت عن معنى اسم مصر وجدت فى كتاب "الروض الآنف" لابن هشام رأيا قال فيه: سميت مصر بمصر بن النبيط، ويقال ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان، وذكر ابن هشام أن بها قرية بالصعيد تسمى "حفن" هى قرية أم إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم، وهي التي كلم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - معاوية أن يضع الخراج عن أهلها، ففعل معاوية ذلك حفظا لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ورعاية لحرمة الصهر، وقد تزوج النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مارية بنت شمعون التي أهداها إليه المقوقس، وأهدى إليه أيضا قدحا من قوارير فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه، ويقال أن هرقل عزل المقوقس لما رأى من ميله إلى الإسلام، كما ذكر أن أم إسماعيل "هاجر" من قرية تسمى "أم العرب" من مصر.

نشرت يوم الأحد 23 رمضان 1430 هـ / 13 - 9-2009

قائمة المدونات الإلكترونية