الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

الكهف



أماكن فى القرآن


الكهف
على جاد


مكان له قصة .. حمل أشهر قصة فتية في التاريخ وهم أصحاب الكهف، فكان ملاذا لفتية آمنوا بربهم فَرُوا بدينهم من الكفار وقرروا الالتجاء إلى هذا الكهف للاختباء فيه، وناموا به ثلاثمائة وتسع سنين، ثم استيقظوا بعد هذه المدة الطويلة بكامل هيئتهم، فكان المكان حاميهم بأمر الله ولطفه بعباده المؤمنين، وقد قيل أن الكهف اسمه الرقيم.

 وقيل إن الرقيم هو اسم حجر وضع على باب ذلك الكهف دونت عليه أسماء أولائك الفتية المؤمنين، وقيل أن البلدة التي يوجد بها ذلك الكهف هي منطقة الرحيب بالأردن وتبعد عن عمان 5 كم، وظهر فى الكهف ثمانية قبور، هذا بجانب بعض المواصفات التي اكتشفها العلماء وتؤكد أنه الكهف المقصود، إذ وجد فى الكهف فجوات لدخول الشمس إليه اتجاهها جنوب غربي فإذا وقف شخص داخل الكهف فى وقت الأصيل تزاورت الشمس عن الكهف ذات اليمين، وكان بالكهف فتحة تصل فناءه بالخارج تساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية والإضاءة، كما وجد على جدران الكهف كتابات بلغات قديمة مختلفة تشير إلى وحدانية الله.

والكهف هو النقب المتسع من الجبل، فإن لم يكن واسعا فهو غار، وقيل أيضا أنه البيت المنقور في الجبل، واسم الكهف كمكان لم يرد في القرآن الكريم إلا بالسورة التي سميت باسمه، وارتبط بالفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، فرفضوا المال والثروة والجاه والسلطان في مقابل التنازل عن إيمانهم بوحدانية الله تعالى، وذلك أنهم تعرضوا لمحنة قاسية حين استدعاهم الملك الكافر الذي نصب المشانق ونكّل بكل المؤمنين ليروا أشلاء الضحايا وهو يعرض عليهم أن يكفروا بالله لينقذوا أنفسهم من هذا المصير، فما كان منهم إلا أن لجأوا إلى ربهم، وواجهوا الحاكم الظالم، رافضين الكفر، فاستمهلهم الحاكم وقتا للتفكير وبعدها أخذوا القرار بالهجرة والفرار بدينهم من البلد الظالم.

"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " الكهف 10

تركوا البلدة ليلا وأخذوا معهم بعض النقود، فكان ملاذهم من بطش الحاكم في هذا المكان المظلم الذي لا يأمن الإنسان أن ينال منه سبع أو حية أو عقرب، لكن عناية الله كانت تحفهم فدخلوا الكهف، ومكثوا فيه نحو ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وأراد الله أن يجعلهم آية على البعث وطلاقة القدرة الإلهية في قضية الموت والحياة والبعث، أراد الله أن يكون لهذا المكان وقصة الفتية عبرة وآية للناس، فالكهف الذي آووا إليه إشارة إلى القبر، ومدة لبثهم في كهفهم إشارة إلى أسلوب حياتنا في القبور، ثم بعثهم بعد نومهم الطويل .. إشارة إلى بعثنا بعد رقدتنا الطويلة في القبور، وفي قوله تعالى : " إذ أوى الفتية إلى الكهف " آية على أن الله – عز وجل – شاء أن يقدس ويبارك هذا المكان ويجعله الموضع الذي تحدث فيه آياته العجيبة المعجزة، ولو لم يرد الله – عز وجل – هذا الكهف بعينه لكان قال إلى كهف، بتنكير كلمة ( كهف ) فيكون المعنى أي كهف على وجه الأرض، لكن دخول ( آل ) التعريف على كلمة ( كهف ) أكدت أنه كهف معلوم ومعروف بعينه، وقد يكون المقصود كهفا موجودا بهذا البلد ويعرفه أهله .

وقصة أصحاب الكهف وردت في القرآن الكريم فيما لا يزيد على ثماني عشرة آية، من الآية التاسعة إلى الآية السادسة والعشرين من السورة وبلغ عدد كلماتها 328 كلمة تقريبا، ومن الغريب في قصة أهل الكهف أن مصدرها الصحيح المحدد بشكلها ورد في القرآن الكريم فقط، ولا يوجد لها ذكر في الأحاديث النبوية ولا في أقوال الصحابة يشير إلى تفاصيل هذه القصة، فالقرآن الكريم هو المصدر الوحيد لمجمل هذه القصة التي وردت في سورة الكهف، وكان نزولها في الفترة السابقة على هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، يقول المودودي في تفسيره : إن هذه السورة نزلت قبل هجرة الحبشة، فرويت قصة أصحاب الكهف في الوقت الذي كان المسلمون يُضطهدون ويُنكل بهم ليثبتوا ويتشجعوا ويعرفوا ماذا فعل المؤمنون من قبل ليحفظوا إيمانهم.

وقد ورد في سبب نزول قصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين أن اليهود أغروا أهل مكة بسؤال الرسول – عليه الصلاة والسلام – عنهما وعن الروح، وأن أهل مكة طلبوا من اليهود باعتبارهم أهل كتاب أن يصوغوا لهم أسئلة يختبرون بها الرسول – صلي الله عليه وسلم – فصاغوا لهم ثلاثة أسئلة أحدها خاص بأصحاب الكهف، وعندما جاءوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قالوا : يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب ثم باقي الأسئلة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن ( أي لم يقل إن شاء الله ) فانقطع الوحي عن النبي خمس عشرة ليلة، حتى قال أهل مكة وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة، فجاءه جبريل من الله عز وجل بسورة الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح، ومعنى كلمة فتية : أي شبان أبطال وتجمع أيضا ( فتيان ).

نشرت يوم الجمعة 7 رمضان 1430 هـ 28 -8-2009

عرفات


أماكـن في القـرآن

عَـرَفَـات


عـلى جاد

مكان مبارك تتجه القلوب العامرة بالإيمان إليه، إلى تلك الأراضي المقدسة مهبط الوحي وموطن الرسول الأمين ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث يقف المسلمون من شتي بقاع الأرض علي عرفات ووجوهم مشرقة بنور الإيمان .. توجهوا جميعا إلي قبلة واحدة يدعون ربا واحدا لا شريك له .. يقع عرفات خارج حدود الحرم، حيث يبعد عن مكة 21 كيلو مترا تقريبا، وهو أحد حدود الحرم من الجهة الشرقية، وإجمالي مساحته10,4 كيلو متر مربع، تم تحديده الآن بوضع علامات تبين حدوده، حتى يتنبه الحاج فلا يقف فيما ليس بموقف فيفوته الحج، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة " رواه الترمذي، وفي ذلك دلالة أكيدة على أهمية هذا الركن من الحج حتى كأنه الحج كله، وهو من الأماكن المقدسة المذكورة فى القرآن.

"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ" البقرة 198

في هذا المكان المقدس تتفتح أبواب السماء لقبول الدعوات من ضيوف الرحمن، وتتجلي في هذا اليوم المبارك أعظم العلاقات الإنسانية وأروع آيات الوحدة الوطنية الإسلامية، رغم اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم، الجميع يرفع أكف الضراعة في خشوع وسكينة، وفي صوت واحد يشق عنان السماء وتهتز له أرجاء تلك الأراضي المقدسة، الطاهرة ملبين وداعين بهذا الدعاء النابع من شغاف قلوبهم: " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "..
" فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ابن كثير ذكر فى تفسيره أن تصريف عرفات وإن كان علما على مؤنث، فذلك لأنه في الأصل جمع مثل "مسلمات ومؤمنات " سمي به بقعة معينة، وهو موضع الوقوف في الحج وهي عمدة أفعال الحج، ولهذا روى بإسناد صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " الحج عرفات - ثلاثا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "، ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس وقال : " لتأخذوا عني مناسككم "، وقال في هذا الحديث " فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك " وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي ـ رحمهم الله.
وفى سبب تسميت المكان بهذا الاسم قال علي بن أبي طالب: بعث الله جبريل عليه السلام إلى إبراهيم ـ عليه السلام- فحج به حتى إذا أتى عرفة قال :عرفت، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، فلذلك سميت عرفة، وعن عطاء قال : إنما سميت عرفة لأن جبريل كان يُري إبراهيم المناسك فيقول : عرفت عرفت، فسميت عرفات، وتسمى عرفات المشعر الحرام والمشعر الأقصى، ويقال للجبل في وسطها جبل الرحمة.

قال القرطبى سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها، وقيل : لأن آدم لما هبط وقع بالهند، وحواء بجدة فاجتمعا بعد طول الطلب بعرفات يوم عرفة وتعارفا، فسمي اليوم عرفة، والموضع عرفات، والظاهر أن اسمه مرتجل كسائر أسماء البقاع، وعرفة هي نعمان الأراك، وهي مأخوذة من العرف وهو الطيب؛ قال الله تعالى : " عرّفها لهم " محمد : 6 أي طيبها، فهي طيبة بخلاف منى التي فيها الفروث والدماء، فلذلك سميت عرفات، ويوم الوقوف يوم عرفة، وقال بعضهم : أصل هذين الاسمين من الصبر، يقال : رجل عارف إذا كان صابرا خاشعا، ويقال في المثل : النفس عروف وما حملتها تتحمل . قال : فصبرت عارفة لذلك حرة أي نفس صابرة، فسُمي بهذا الاسم لخضوع الحاج وتذللهم، وصبرهم على الدعاء وأنواع البلاء واحتمال الشدائد، لإقامة هذه العبادة .

من الأمكنة والأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة، فهو مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتُكفر فيها السيئات، يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : "ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.

عرفة كلها موقف .. ظاهر عموم القرآن والسنة الثابتة يدل على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم : " ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " رواه مسلم في فضل يوم عرفة، يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم، يُكفر الله فيه الذنوب العظام، ويضاعف فيه الصالح من الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يُكفر السنة الماضية والباقية " فى الصحيح، وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
نشرت يوم 6 رمضان 1430 هـ / 28 -8 -2009




الغار




أماكـن في القـرآن

الـغـار
على جاد

مكان تعبد فيه سيد الخلق وناجى ربه .. فيه نزلت أسمى وأكمل الرسالات على أفضل خلق الله، لو ذهب أحدنا إلى هذا الغار وصعد جبل حراء الذى يسمى حاليا بجبل النور، وحاول دخول الغار الذى نزل فيه جبريل عليه السلام بأول وحى على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لخاض تجربة عملية صعبة وقاسية تستغرق وقتا طويلا وجهدا خارقا حتى يصل إلى قمته ومنها يدلف إلى الغار .. هناك يكتشف المكان الذى سطرت فيه مقدمة الفصل الأول من تاريخ الإسلام وكيف أن الحجر كان مادته ومداده، يصل ارتفاع جبل حراء إلى 642مترا، يصبح انحداره شديدا من ارتفاع 380مترا حتى يصل إلى 500 متر، ويقع جبل النور فى الشمال الشرقي لمكة المكرمة، ويقع في أعلاه غار حراء، شاهد أول آية أنزلت في القرآن الكريم، ومقر خلوة خاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل بعثته، فيه تم أول لقاء مع جبريل عليه السلام حاملا بشرى النبوة لمحمد بن عبد الله تمهيدا لحمل الرسالة إلى الثقلين الإنس والجن.

" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .. " التوبة 40

وللجبل فضائل أوردتها كتب التاريخ على أنه أحد الجبال الخمسة، التي بنى بها أبو الأنبياء إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ الكعبة المشرفة، فقد ذكر قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد" قال: ذكر لنا أنه بناه من خمسة جبال: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء، وذكر لنا أن قواعده من حراء.

ابن كثير قال : لما هَمَّ المشركون بقتل النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا وصاحبه أبو بكر بن أبي قحافة، فلجأ إلى غار ثور ومكث فيه ثلاثة أيام ليرجع الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر ـ رضي الله ـ عنه يجزع أن يطلع عليهم، فينال الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ منهم أذى فجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسكنه ويثبته، قال أبو بكر : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، قال : فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " في الصحيحين، ولهذا قال تعالى " فأنزل الله سكينته عليه ".

القرطبى عرّف الغار بأنه : ثقب في الجبل، فيقول لما رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة قالوا : هذا شر شاغل لا يطاق، فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبيتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ثم نهضا فدخلا الغار، وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم فيخفي آثارهما، فلما فقدته قريش جعلت تطلبه برجل معروف بقفاء الأثر، حتى وقف على الغار فقال : هنا انقطع الأثر، فنظروا فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أنه لا يوجد أحد فيه، فرجعوا وجعلوا في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة ناقة لمن رده عليهم، وقد روي من حديث أبي الدرداء وثوبان ـ رضي الله عنهما : أن الله عز وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إليها ردهم ذلك عن الغار، وعندما خرج الرسول من مكة نظر إليها وقال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت".أردت هنا أن أركز على معنى وماهية الغار لنعرف أحداث الهجرة والوحى، فالغار المقصود عبارة عن تجويف صخري صغير داخل حجارة عظيمة رُصت بعناية إلهية واضحة كالمظلات الشمسية باتجاه القبلة، تعلوها في الجانب الأيمن فتحتان صغيرتان تجددان هواءه، ويأنس الناظر من إحداها برؤية منارات المسجد الحرام وهي شامخة في عنان السماء، كأنها تخاطب الغار وتطمئنه بالنداء الخالد.. الله أكبر، وتشم في الغار الطيب والمسك والعنبر الذي يحمله الزائرون، وتقاس مساحته بالسنتيمترات طولا وعرضا، وتتراءى لك فور دخولك في هذا المكان أول سطور في تاريخ الإسلام، فهنا خلوة النبي محمد وملاذ تأمله، وهنا نزل جبريل الأمين، ومن هنا جاءت أم المؤمنين خديجة بزوادة الطعام والماء لزوجها المنقطع عن صخب العالم وسغبه، وعن باطل قريش وشركهم.
هناك فى الغار ينتابك العجب وتحاصرك الأسئلة من كل جانب، من دلّ النبي على هذا الغار الغامض المستتر؟! وكيف كان يعيش قبل بعثته بالرسالة في هذا المكان؟! وكيف كان يقضي وحشة الليل لسنوات في هذا الظلام وعلى هذا الارتفاع السحيق؟! عبثا تحاول أن تستوعب مدى قوة هذه الإرادة والصلابة والقدرة على تحمل مشاق وعناء الصعود والهبوط من وإلى الغار، لا ريب.. أن غموض الأمر وأسراره، قد تفسره تلك الفيوض الروحية التي تعبق أجواء المكان.
نشرت يوم الأربعاء 5 رمضان 1430 هـ / 26 - 8 - 2009

مدين


أماكـن في القـرآن 



مَــدْيَنَ


على جاد


اليوم نحن فى مدين .. بلدة قديمة ذُكرت فى القرآن الكريم عشر مرات، ثلاث منها خاصة بنبى الله شعيب، وخمس مرات خاصة بسيدنا موسى، وتقع بين طبرية وعكا ببلاد الشام
تلقاء غزة، يمتد ساحلها على طول خليج العقبة لمسافة حوالي 200 ميل إلى الجنوب، ومن رأس الخليج إلى الشمال نحو 36 ميلا، اشتق اسمها من مدن وتعنى الإقامة بالمكان وهى اسم أعجمي، وسُميت بذلك نسبة إلى مدين أو مديان بن إبراهيم، وكان قد اتخذها لنفسه مسكنا فنسبت إليه، وقد عاش مدين عمرا طويلا، وتزوج امرأة ولدت له أربعين بنين، فكثر عددهم في حياة مدين نفسه، ويروى أنه أمرهم ببناء مدينة حصينة سموها مدين .. وفي موضع مدين اليوم العديد من الخرائب والآثار الدالة على ازدهار المنطقة في عصور سابقة، وتشهد على ما مرت به من أحداث وتطورات، وتشمل الآثار مبان وبقايا قصور ومعابد وقبور وأدوات فخارية ومعدنية وحجرية، وهناك مكان يعرف بمصلى شعيب، وآثار نبي الله شعيب المعروفة بمغاير شعيب، وبه مجموعة من القبور القديمة.

"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" (الأعراف 85).

ذكر المقريزي أنه كان بأرض مدين عدة مدائن قد باد أهلها وخربت وبقيت منها إلى أيامه عام 825هجرية نحو الأربعين مدينة قائمة، منها ما يعرف اسمه ومنها ما قد جهل اسمه، وقال القرطبى إن مدين اسم بلد وقطر، وهم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام، ويروى أنه كان ابن بنت لوط، وقيل : كان زوج بنت لوط واختلف في نسبه، فقال عطاء وابن إسحاق: شعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام، وكان اسمه بالسريانية بيروت، وأمه ميكائيل بنت لوط، وَشُعَيْب تصغير شَعْب أَو شِعْب، وقال قتادة : هو شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم، ولأهل مدين في القرآن اسم آخر، هو"أصحاب الأيكة". ‏

في أرض مدين كهف كان يأوي إليه شعيب عليه السلام، وفيها جبال كثيرة وكهوف ومغارات تحت الأرض، وجدت فيها عظام بالية عليها رواسخ مبنية، وهم قوم شعيب عليه السلام الذين أهلكهم الله تعالى، كما أن مدين شهدت عددا من الدول والممالك والأحداث التاريخية، ابن كثير فى تفسيره قال إنهم من سلالة مدين بن إبراهيم وشعيب، ومدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهي التي بقرب معان من طريق الحجاز قال الله تعالى " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " وهم أصحاب الأيكة، " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " هذه دعوة الرسل كلهم " قد جاءتكم بينة من ربكم" أي قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا، وكان أهل مدين كفاراً، يقطعون السبيل ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة ـ وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها ـ وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.

كان أهل مدين يدّعون أنهم لا يفهمون قول شعيب وأنه فيهم ضعيفا ذليلا، حتى قالوا له إن عشيرتك ليسوا على دينك ولولا معزتهم علينا لرجمناك، قيل إن شعيب كان أعمى، وقال بعض المفسرين أنه كان به ضعف فى البصر، القرطبى أورد قولين فى تسميت مدين بهذا الاسم أحدهما أنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل مدين والمراد بنو مدين كما يقال مضر والمراد بنو مضر، والثانى أنه اسم مدينتهم فنسبوا إليها، وكانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا غاية ما يقدرون عليه وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص، وشحوا له غاية ما يقدرون، فأمروا بالإيمان إقلاعا عن الشرك، وبالوفاء نهيا عن التطفيف، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء )، وكان مما ينهاهم عنه وعُذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم، فكانوا يقرضون من أطراف الصِّحَاح لِتفْضُل لهم القُرَاضَة، وكانوا يتعاملون على الصِّحَاح عدًّا وعلى المَقْرُوضَة وزنا، وكانوا يبخسون في الوزن.

لم يكن فى أهل مدين من يهديهم إلى الحق، فكان الكل يعمل بالغش والتدليس، وعندما جاءهم من ينبههم كذبوا وتهكموا، فأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم، وقيل إن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم، هذا قول الطبرى فى عذابهم، قال ابن عباس : ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكهم الله بالصيحة، غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم، وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات وصنوفاً وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظلة أسقطت عليهم شرر النار من سائر أرجائها والجهات فأهلكوا.

نشرت يوم الاثنين 3 رمضان 1430 .... 24 / 8 / 2009


قائمة المدونات الإلكترونية