سد النهضة.. ومحطة المطار السرى
بقلم: على جاد
فى ساعة توافق مع النفس والآخرين دعت الرئاسة القوي المعارضة وغير المعارضة لاجتماع مهم يمس الأمن القومى المصرى، تناقش فيه القوى الوطنية أزمة "مشروع سد النهضة" الإثيوبى، وبحث التقارير التي انتهت إليها اللجنة الثلاثية المكونة من مصر والسودان وإثيوبيا، ودراسة مدى أضرار سد النهضة علي الحياة فى مصر.
وانتبه الشارع المصرى إلى أن هناك اجتماعا (سريا) سوف يذاع على الهواء مباشرة، وجلسنا أمام شاشات التلفاز فى انتظار حدث يعد الفريد من نوعه، وعلى طريقة المسلسلات المخابرتية دار الاجتماع وكأنه مجلس حرب شكلا وهيئة لكن المضمون خاوى، وللأسف غاب عن الاجتماع لظروف قهرية ضابط المخابرات العبقرى (الريس زكريا)، ورجل المخابرات الداهية (جمعة الشوان) بطلا مسلسل (دموع فى عيون وقحة)، كان أول سؤال سيوجهه (جمعة) فى هذا الاجتماع لـ(الريس زكريا) :"هو الاجتماع ده كان المفروض يكون سريا يا ريس"، يلتفت (الريس زكريا) مبتسما ابتسامته العريضة "عندك حق يا جمعة.. وأى مواطن هيفكر زيك"، ثم يقف (الريس زكريا) واضعا يده فى جيبه والأخرى فوق كتف (جمعة) قائلا:"دى حاجة جديدة اسمها الشفافية يا جمعة، والناس اللى فى الاجتماع ما يعرفوش إنه سيذاع على الهوا.. وقبل ما تسأل ليه.. أقول لك إن دى أكبر خدعة مخابراتية للشعب الإثيوبى".
تنفتح عينا (جمعة) عن أخرهما ذهولا وتعجبا ثم يبتسم وهو (يهرش) فى قفاه "يعنى يا ريس زكريا هنقدر نخدعهم ونفهمهم إننا ما عندناش قضية من أصله تستدعى قيامنا باجتماع سرى"، فى خطوات واثقة يتجه (الريس زكريا) لمكتبه ممسكا نظارته السوداء ثم يشير بها إلى (جمعة) قائلا بحزم "وهو ده اللى حصل يا جمعة.. إثيوبيا فكرتنا بنهرج.. وده اللى احنا عايزينه يوصل لهم"، ثم يعطى ظهره لـ(جمعة).. بينما(جمعة) يقترب من (الريس زكريا) هامسا فى إذنه "تقصد إن فيه اجتماع سرى فى مكان تانى وغير معلن"، يبتسم (الريس زكريا) ابتسامته الجميلة قائلا:" فعلا يا جمعة وكمان يومين هتسمع خبر يفرّحك".
آسف لطريقة الكتابة الساخرة فالموقف لا يستدعى ذلك، لكن كما يقول المثل "شر البلية ما يضحك"، فأثناء متابعتى للاجتماع تذكرت هذه المشاهد، وقفز إلى ذهنى فجأة (كما يتفاجأ وزير الرى بكل ما يحدث لمياه النيل) مشهد (جمعة الشوان) وهو يقول لـ(الريس زكريا) "هى إيه حكاية محطة المطار السرى اللى على طريق السويس يا ريس؟! ومنين سرى والناس عارفاه وعملته محطة أتوبيس؟!"، وبنفس سؤال (جمعة) من حقك كمواطن أن تسأل: كيف يتم مناقشة مشكلة أمن قومى بهذه الأطروحات الباردة، وكيف يكون الاجتماع سريا ويراه ويسمعه العالم كله؟! كان ينقص الاجتماع أن تعلن السيدة العبقرية مديرة الحوار أنه لا يوجد سد، ولا مشكلة من أصله، وأنها خدعة للشعب المصرى حتى "يتلهى" على عينه ويبطل مظاهرات ووقفات احتجاجية.
شىء من هذا حدث فى اجتماع الرئاسة لمناقشة أزمة سد النهضة وحكاية مياه النيل.. فقد كان المسئولون يتصرفون على أن الموضوع ليس سرا خطيرا، فى حين كان الناس فى اللحظة ذاتها، يرون المشهد كاملاً، ويرصدون خطوات إثيوبيا نحو مشروع السد، خطوة خطوة.. بينما الوزراء والمسئولون يتعاملون مع الأزمة على أن كل شىء تحت السيطرة حتى فلت الزمام وانكشف المستور، ليجدوا الملايين يتابعون ويتطلعون إلى المشهد عارياً من كل جوانبه.
التعامل مع أزمة السد كله طرائف ومواقف عجيبة تدل على عشوائية القرار السياسى، وكأننا نتعمد السخرية من أنفسنا بأفعالنا ومواقفنا المخزية اتجاه الأزمات، ففى صدر الصفحة الأولى لإحدى الصحف المشهورة يوم الخميس الماضى 6 يونيو كتبت الصحيفة "مانشيت" بالبنط العريض واللون الأحمر الملفت يقول "وفد مخابراتى يزور إثيوبيا لبحث مشكلة السد" ادينى عقلك!!.. تحركات المخابرات العامة أصبحت تنشر على صفحات الجرائد.. لا وإيه (مانشيتااات)..!! زمان كنا لا نسمع عن جهاز المخابرات العامة إلا فى المسلسلات، حتى إن كثيرا من الناس كانوا لا يعرفون اسم مدير المخابرات، أما الآن فعملا بالشفافية سوف ننشر تحركات رجال المخابرات خطوة بخطوة.