لقد نُصِبْت لتسمع الشكاوى
وتُكبح جماح اللص
ولكن تأمّلْ
فإن ما تفعله
هو أنك تعاضد اللص
...........
تأمل إنك صقر لعامة القوم يعيش على أحقر الطيور
أنظر إنك حاكم يسرق
أنظر إنك إنسان مُنغمس فى إرضاء ملاذه
تأمل أيها الأحمق فإنك قد ضُرِبت
وتأمل أيها المغفل فإنك قد استُجوِبت
هل أنت لص ؟
هل يُحضر إليك بجنود لتصاحبك عند تقسيم الحقول.....
هذه الكلمات الفاصلة الملخصة لحال البلاد ليست لا سمح الله من " دماغ " العبد لله، وإلا وضعت نفسى فى مأزق " فيرانى " وأعطيت لـ " القط " فرصة قطع ذيلى ـ لسانى يعنى ـ الذى أتوقع له مصيرا مش حلو خالص ..
هذه الكلمات كانت لفلاح مصرى قديم بعث بها إلى صاحب السلطة فى مصر "رنزى بن مرو" فى منطقة تسمى وادى الملح فى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وخلاصة القصة ـ علشان ما نطولش عليكم ـ أنه ..
كان فيه فلاح بسيط فقير عنده قطعة أرض صغيرة بيزرعها، وكل موسم حصاد يحمل على حماره المحصول ويمشى بجواره مسافرا إلى المدينة لكى يبيعه، وذات يوم وهو فى طريقه لبيع المحصول فى المدينة اعترضه " تحوت نخت " أحد كبار الموظفين فى الدولة واغتصب حماره المحمل بالبضاعة ـ يعنى سرقه أو أخذه غصبا .. آااايوه أخذه غصبا ـ أخذ يصيح فيه الفلاح رافضا ما فعله هذا الحرامى الميرى، ولكن لا جدوى من صراخه ولم يسمعه أحد.
جلس الفلاح يفكر .. ماذا يفعل ؟ وماذا يقول لأبنائه وزوجته ؟ وكيف سيعيشون فى الأيام القادمة بدون نقود أو خزين للطعام ؟ وظل الفلاح حائر البال حزين الحال .. ينظر للسماء مرة وينظر للأرض مرة ثم يجلس واضعا رأسه بين يديه يكاد يحطمها من فرط التفكير فيما هو قادم والمصير المنتظر ..
وفجأة برقت فى ذهنه فكرة فانتبه شارعا رأسه فى الهواء وعلى وجه ملامح ابتسامة خجلى .. نعم سأفعل وأخذ يبحث حوله عن شىء يكتب به شيئا فلم يجد، ما العمل ؟ سأذهب إلى الرئيس " فرعون مصر " وأحكى له ما فعله " تحوت نخت "، وذهب الرجل إلى فرعون مصر يعرض عليه الأمر، ووقف بين يديه يشكى له رجل الدولة الذى سلبه قوته، كان الرجل منفعلا غاضبا، لكنه كان فصيحا متكلما يجيد فن الحديث والإقناع، فأعجب الفرعون بفصاحته وحسن بيانه ووجد كثيرا من المتعة فى سماع خطابه، فيأمر ألا يُبَتْ فى أمره، وظل الفرعون صامتا حيال كل ما يقوله الفلاح حتى يستمر فى خطابه البليغ، بل ويأمر بتدوين هذا الخطاب على صحائف البردى حتى يُتلى عليه فيما بعد، ويأمر بإمداد الفلاح وعائلته بالزاد سرا دون إعلامه بمصدر ذلك الإمداد، وعاقب السارق ورد للفلاح أملاكه وكافأه على جرأته وعدم تنازله عن حقه .
هذه القصة سجلها التاريخ فى ذاكرته من آلاف السنين عن حقبة اتصفت بانهيار الدولة وإعادة تشكل صورة الحاكم الإله المنزه، فبعد هذا الحادث لجأت السلطة إلى الكتابات بهدف التأثير فى الرعايا خاصة الرعايا الرافضين لفساد السلطة .. وما كان موقف الفلاح من السلطة من وجهة نظر الحاكم إلا تجرأ لم يعهده من قبل، لفت انتباهه إلى أنه برغم بطش الحاكم وحكومته إلا أن هناك من يجرؤ على الخروج عليه ورفض بطشه مهما كانت العاقبة .. فما الذى يضير الإنسان بعد سلب قوته؟! وبرغم بطش الحاكم إلا أن ذلك لم يمنع الفلاح من انتقاده الحاد للسلطة.
أردت أن أستدعى هذه القصة لما لها من مغزى وعبرة لنعرف أن الحياة لا تدوم على حال مهما تكن مثالية البشر فيها، فالفساد موجود من آلاف السنين، لكن الشعوب تتصدى له وتثور عليه مهما تكن العاقبة، كل الشعوب لا ترضى البقاء لمن يسعى فيها فسادا .. كل الشعوب تستشعر الخطر وتعرف كيف تدرأه .. وكما قال الحاج حسن " كل السنين هاتمر وكل الفاسدين هايموتوا لكن هاتبقى مصر" ..
والقصة هى هى .. ظالم ومظلوم .. خير وشر .. فقراء وأغنياء .. حاكم ومحكومون .. عسكر وحرامية .. حكومة وشعب .. و .. و .. و .. و ..