أماكـن في القـرآن
علي جاد
في ليلة سبعة عشر من رمضان قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلها ما بين ساجد وراكع لله عز وجل، يمد أكف الضراعة يستدر رحمة الله عز وجل، قائلا: (اللهم أنجزني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد في الأرض)، وهكذا يكرر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك الليلة توسله بين يدي الله، حتى إذا كان الصباح بدأت المعركة ..
بدر هو الاسم الذي عُرفت به المعركة نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه وكان به بئر يسمى بدر حفره رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن يخلد بن النضر بن كنانة، وهى الآن محافظة من محافظات السعودية تتبع منطقة المدينة المنورة وتبعد عنها 150 كيلو مترا وعن ينبع 70 كيلو مترا، وتقترب من البحر مسافة لا تزيد على 40 كيلو مترا، تكمن أهميتها في أنها ملتقى الطرق الهامة بين ينبع والمدينة المنورة وجدة، وهي مركز إقليمي تخدم أكثر من 30 قرية، ويعتمد نشاطها الاقتصادي على الزراعة وصيد الأسماك.
" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " آل عمران 123
يوم بدر كان يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة ـ كما ذكر ابن كثير ـ وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فارسان وسبعون بعيرا والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في كامل عدته والخيول المسومة والحلي الزائد، فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبَيّض وجه النبي وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العَدَد والعُدَد.
درس في الشورى أرساه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الغزوة، ليتعلم المسلمون منه، فلما سلمت العير جمع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين في بدر فاستشارهم وقال: (أروني ماذا أفعل؟ فقالوا: يا رسول الله! نحن ما خرجنا للقتال، وليس معنا سلاح، ثلاث مرات)، فانتبه سعد ابن معاذـ رضي الله عنه - وكان زعيم أهل المدينة - فقال: (يا رسول الله لعلك تعنينا؟ قال: نعم) لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قد بايعه أهل المدينة على الدفاع لا على الهجوم، قال: (والله يا رسول الله لقد آمنا بك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وإنا والله لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، فوالله! لو وجهتنا إلى برك الغماد أو خضت بنا هذا البحر لخضناه وراءك ما تخلف منا رجل واحد).
من لطف الله بهذا الجمع القليل من المسلمين أن جعل فى قلوبهم الطمأنينة، وقذف في قلوب المشركين الرعب، بل أيد وأمد المسلمين بجنود من عنده نزلت بأمر الله لنصرة المستضعفين، فكانت معركة بين الحق والباطل حتى إن المفسرين قالوا إن إبليس شارك في هذه المعركة، فذكروا أن قريشا لما أرادت أن تخرج تذكروا أنه كان بينهم وبين بني كنانة ثأر، فخافوا إن هم خرجوا أن يخلفوهم في ديارهم، فجاء إبليس في صورة سراقة ابن مالك، وقال لهم: لا تخافوا منهم، أنا جار لكم لن يأتيكم منهم شر، وخرج معهم .. يقول ابن كثير : خرج إبليس برايته، وبجند معه بالرايات ومشوا حتى قاربوا أرض بدر، فلما رأى نزول الملائكة إذا به يسل يده منه، ويقول: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين، فأخذ عمرو ابن مالك يناديه: يا سراقة! يا سراقة! ألم تعاهدنا أن تكون معنا؟! ألم تعاهدنا على النصرة؟! فلم يجبه ومر في طريقه حتى نزل البحر، فلما سمع بذلك أبو جهل قال: لا يضرنكم انسحاب سراقة، لقد كان على موعد مع محمد.
إن المولى سبحانه هو الذي أخرج رسوله من بيته بالحق، وهو الذي تولى أمره، وهو الذي أيده بنصره، وسخر العوامل من أرض وسماء، ومن جنود المسلمين والملائكة، لنصرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.. ذكر معظم المفسرين أن الملائكة كانت تقاتل مع المسلمين فى غزوة بدر وأنهم فعلا قاتلوا وضربوا وقتلوا، فقد جاء رجل فوجد أسيرا موثقا فوقف وقال: (أسير من هذا؟! من الذي أسر هذا؟! فلم يجبه أحد، ففك وثاقه وذهب به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم فقال: وجدته موثقا وناديت فلم يعرفه أحد، قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: من أسرك؟ قال: رجل طوال بثياب بيض على فرس أبلق، قال: صدقت، هذا من ملائكة السماء الثالثة)، ومن آثار الملائكة في المعركة أن الرجل كان يسعى وراء المشرك ليضرب عنقه، فإذا به يرى الرأس قد انفصل عن سائر الجسد، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لهم: (علامة قتلى الملائكة وقتلاكم أنكم تجدون في أثر الضربة كأنه وسم بنار)، إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت تدل بواقعها على أن الله سبحانه وتعالى أرسل الملائكة نصرة للمسلمين.
نشرت يوم الأحد 9 رمضان 1430هـ / 30-8-2009
http://www.al-seyassah.com/PDF/09/AUGST/30/35.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: