الاثنين، 14 سبتمبر 2009

الصفا والمروة




أماكن فى القرآن

الصفا والمروة


على جاد


اليوم نتحدث عن مكانين ارتبط كل منهم بالآخر للدلالة على مكان واحد مقدس أصبح من مناسك الحج .. فالصفا هو مكان مرتفع عن الأرض؛ عبارة عن قطعة من جبل يسمى "أبي قبيس" ويقع في الجهة الجنوبية من الحرم، أما المروة فهو مرتفع مثل الصفا ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من الحرم، والمسعى هو تلك المسافة بين المرتفعين (الصفا والمروة) وطوله 405 أمتار تقريبا، وقديما كان الزحف على عرض المسعى بالبناء يتم دون وازع ديني ولا رقيب، حتى انتبه القائمون على رعاية مشاعر الحج لذلك، فقاموا بتوسعة تمت فيها إزالة البيوت التى كانت تعوق الحجاج فى مسعاهم، لما فيه خير وراحة المؤمنين في تأديتهم للسعي بين الصفا والمروة وتسهيل سيرهم وحركتهم في هذه المنطقة التى تشهد زحاما شديدا كل عام.

" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما .." سورة البقرة آية (158)


الصفا مشتق من الصفو، وهو الخالص، وقيل :هو الحجر الذي لا يخالطه غيره من طين أو تراب يتصل به، والمروة : هي الحجارة الصغار التي فيها لين، وقيل : الصغار المرهفة الأطراف، هذا ملخص ما ذكره الأندلسى فى " التفسير الكبير"، وقال إن الصفا والمروة في الآية : علمان لجبلين معروفين، وقد نقلوا أن قوما قالوا : تم تذكير الصفا لأن آدم وقف عليه، وتأنيث المروة لأن حواء وقفت عليها، وقيل كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث، وقدم المذكر .

وفى سبب نزول هذه الآية وتفسيرها ذكر القرطبي في تفسيره أن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كله، وكانت بينهما آلهة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الطواف بينهما فنزلت هذه الآية، وقال الشعبي : كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة وكانوا يستلمونهما، فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية، وذكر محمد بن إسحاق في كتاب "السيرة" أن إسافا ونائلة كانا بشرين، زنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا ثم حولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة : وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم لمفضى السيول من إساف ونائل.

وفى إشارة لأهمية السعى بين الصفا والمروة ذكر الألبانى فى كتابه " مناسك الحج والعمرة " موقفا لعروة بن الزبير حين قال ذات يوم للسيدة عائشة : " ما أرى إلا أن الرجل إذا حج وما طاف ولا سعى بين الصفا والمروة إلا أن حجه صحيح، قالت : ولم ذلك ؟ فتلى ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فقالت له السيدة عائشة : لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية : ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما )، يقول الألبانى إن السيدة عائشة ـ رضى الله ـ عنها قالت ما خلاصته أن هذه الآية نزلت بعد ما آمن الصحابة واسلموا وعرفوا الإسلام، فصاروا يبتعدون عن جاهليتهم السابقة، حيث كانوا قبل الإسلام إذا جاءوا عند الكعبة وطافوا بين الصفا والمروة، كانوا يهلون لطاغوت من طواغيتهم هناك، ولصنم من أصنامهم، فلما هداهم الله تبارك وتعالى بالتوحيد والإسلام ترفعوا أن يضلوا، وأن يلبوا بالتلبية عند الكعبة وبين الصفا والمروة، لأنهم كانوا يعبدون هناك ذلك الصنم، فوجدوا أن من المناسب لتوحيدهم وإيمانهم بالله ألا يعودوا فيطوفوا فى المكان الذى كانوا يهلون ويلبون فيه باسم الطاغوت سابقا، فكانوا يتخوفون، وكان المسلمون يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى " إن الصفا والمروة .. "، لرفع الحرج الذى صار فى نفوسهم، فالطواف أمر من الله ولا حرج عليكم أن تطوفوا، ما دام أنكم كفرتم بهذا الصنم وآمنتم بالله وحده لا شريك له.

فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله أي مما شرع الله تعالى لإبراهيم في مناسك الحج ـ كما وضح ذلك من كلام المفسرين ـ وأصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لما نفد ماؤهما وزادهما، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك ونفد ما عندهما قامت تطلب الغوث من الله عز وجل، فلم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله عز وجل حتى كشف الله كربتها وآنس غربتها وفرج شدتها وأنبع لها زمزم التي ماؤها " طعام طعم وشفاء سقم "، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة كما فعل بهاجر عليها السلام .

نشرت يوم السبت 22 رمضان 1430 هـ / 12-9-2009

مكة



أماكن فى القرآن


مكـة
على جاد

مكان حرم الله فيه أعمالا كثيرة، وجعل له وضعا خاصا دون سائر البلاد، فحرم فيه القتل والصيد وكل أنواع الجرائم التى يرتكبها الإنسان فى غيره، مكة المكرمة وتقع على سفوح جبال"السروات"، وتمثل نقطة التقاء تهامة بالجبال التي تحيط بمكة من جميع الجهات، فمكة المكرمة مجموعة من الأودية المتخللة هذه الجبال وهي أيضا منافذها، خاصة كلما اتجهنا إلى الساحل من الناحية الغربية، وترتفع عن سطح البحر بـ279مترا تقريبا، وجوها حار جاف صيفا بارد ممطر شتاء، وبيوتها كائنة على امتداد الوادي، ويسميه المكيون وادي "إلراهيم"، ولموقع مكة المكرمة أهمية كبرى إذ تمثل منتصف خط القوافل التجارية القديمة التي كانت تزاول نشاطها بين اليمن وبلاد الشام جنوبا وشمالا.

"وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم .." سورة الفتح آية (24)

ذكرت لمكة أسماء كثيرة منها : مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحم وأم القرى والعرش، وسميت بكة لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، وقيل : لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون، هذا ملخص ما جاء فى كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام.

 ومكة المكرمة  هى بلدة قديمة العهد عرفت قبل مجىء إبراهيم عليه السلام إليها ليرفع قواعد البيت العتيق ـ كما ذكر ابن هشام ـ وعندما وصلها كانت قرية صغيرة تقع في واد غير ذي زرع تحيط بها الجبال من كل جانب، وتتفق جميع الروايات على أن جرهم كانت بمكة في عهد إسماعيل عليه السلام وأنه تزوج من بنات هذه القبيلة، وفي أواخر القرن الثالث الميلادي استولى على مكة جماعة من سكان جنوب الجزيرة العربية وطردوا جرهم منها، لكن جو مكة لم يلائم هؤلاء فغادرت غالبيتهم مكة وبقى فيها قسم منهم، وهم الذين باسم خزاعة، وفي منتصف القرن الخامس الميلادي انتقلت الزعامة لقصي بن كلاب أحد أحفاد إسماعيل بن عدنان وقصي هو الجد الرابع للنبي محمد ـ عليه الصلاة والسلام.

وتعد مكة بأكملها وقفا لا يجوز بيع أرضها أو بيوتها، يقول ابن هشام فى كتابه" زاد المعاد " الجزء الثالث، إن مكة ليست كسائر البلاد، فإن فيها شيئا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى، وهي أنها لا تملك فإنها دار النسك ومتعبد الخلق وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، فهي وقف من الله على العالمين وهم فيها سواء، ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة، ولا إجارة بيوتها، هذا مذهب مجاهد وعطاء، ومالك، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، والإمام أحمد بن حنبل.

وروى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن علقمة بن نضلة قال:" كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن"، وروي أيضا عن عبد الله بن عمر : " من أكل أجور بيوت مكة، فإنما يأكل في بطنه نار جهنم "، كما يحرم سفك الدم بها، وهو الذي يباح في غيرها، ويحرم فيها لكونها حرما، كما أن تحريم عضد الشجر بها، واختلاء خلائها، والتقاط لقطتها، هو أمر مختص بها، وهو مباح في غيرها، إذ الجميع في كلام واحد ونظام واحد وإلا بطلت فائدة التخصيص.
وذكر عن عبد الله بن عمر أنه قال: " لو لقيت فيه قاتل عمر ما ندهته "، وعن ابن عباس، أنه قال: " لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه "، وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، ولم يذكر أن اختلف صحابي أو تابعي على ذلك، وإليه ذهب أبو حنيفة ومن وافقه، والإمام أحمد.

وفى حماية الله عز وجل لمكة وبيتها ذكر ابن هشام فى الجزء الأول من كتابه " السيرة النبوية " أن أبرهة لما
تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله وجهز جيشه لهدم البيت، لم يحدث ما أراد، فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك، فضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام فهرول، ووجهوه إلى المشرق فهرول، ووجهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك.

أما سبب نزول هذه الآية فكان لموقف حدث بين المسلمين وقريش، ذكره ابن كثير والطبرى فى تفسيريهما لهذه الآية، فرويا عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم ـ وقيل خمسين ـ وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ ليصيبوا من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا المسلمين بالحجارة والنبل.

قال ابن إسحاق وفي ذلك أنزل الله تعالى هذه الآية، وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ خيلا فأتوه باثني عشر من الكفار فقال لهم: " هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ "، قالوا : لا، فأرسلهم وأنزل الله تعالى في ذلك :" وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ".

نشرت يوم الجمعة 21 رمضان 1430 هـ /11 -9-2009

قائمة المدونات الإلكترونية