الأحد، 13 سبتمبر 2009

المشعر الحرام


أماكـن في القرآن


المشعـر الحـرام


علي جاد

من الأماكن المقدسة التى يذهب إليها الحجاج ضمن مناسك الحج، وهو منطقة تقع بالقرب من مكة جنوب شرق "منى"، وبين "منى" وجبل عرفة وهو جبل فى آخر المزدلفة، ويعد المشعر الحرام، كما سماه الله عز وجل فى القرآن من الأماكن المقدسة التى ذكرها القرآن، بل جعله سبحانه وتعالى من مناسك فريضة الحج.

قيل هو جبل فى آخر المزدلفة يقال له "قزح" يذكر الحجاج ربهم عنده بعد المبيت بمزدلفة، والمزدلفة عبارة عن واد يمتد من "محسر" غربا إلى "المأزمين" شرقا، طوله نحو أربعة آلاف متر، وسمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف، ويقوم الحجاج بجمع الحصيات لرمى الجمار بـ"منى" خلال الأيام التالية، ويمكث بها الحجاج حتى صباح اليوم التالى يوم عيد الأضحى، وتعد المنطقة بأكملها موقفا عدا وادى محسر.

".. فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين .." سورة البقرة آية (198)

معنى المشاعر أى المعالم، من قول القائل : "شعرت بهذا الأمر" أي علمت، فـ "المشعر" هو المعلم وسمي بذلك؛ لأن الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء، من معالم الحج وفروضه التي أمر الله بها عباده، ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه صلى الفجر بالمزدلفة وركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر، قال القرطبى وابن كثير فى تفسيريهما لهذه الآية إن المشعر هو مزدلفة كلها الجبل وما حوله، وقد أمر الله تعالى المسلمين إذا أفاضوا من عرفة أن يذكروه سبحانه وتعالى فيها بصلاتى المغرب والعشاء جمع تأخير، وقوله عند المشعر الحرام معناه: مما يلي المشعر الحرام قريبا به، وذلك للفضل، كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، وجعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر، وسميت المزدلفة وجمعا؛ لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف منها، أي دنا منها، وقال قتادة: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، ويجوز أن يكون وصفت بفعل أهلها لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى، أي يتقربون بالوقوف فيها.

والوقوف بمزدلفة يستحب فيه الإكثار من الدعاء والتلبية وذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر ابن كثير فى تفسيره للآية الكريمة أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظل واقفا بعرفة حتى غربت الشمس وبدت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شد زمام القصواء حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى " أيها الناس : السكينة السكينة " وكلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبر وهلل ووحد، فلم يزل واقفا حتى أسفر ـ في صحيح مسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من أخرى فدخل من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، ودخل المسجد من باب بني شيبة وخرج بعد الوداع من باب حزورة اليوم، ودخل إلى عرفات من طريق ضب وخرج من طريق "المأزمين"، وأتى إلى جمرة العقبة - يوم العيد - من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منى ثم يعطف على يساره إلى الجمرة ثم لما رجع إلى موضعه بمنى الذي نحر فيه هديه وحلق رأسه رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها الناس اليوم، فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة ولا يزاحم الناس، بل إن وجد خلوة أسرع فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن ثم إذا بركوها صلوا العشاء، وإن أخر العشاء لم يضر ذلك ويبيت بمزدلفة، ومزدلفة كلها يقال لها المشعر الحرام وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر، كما أوضح ابن تيمية فى كتابه " فتاوى ابن تيمية"، وقال من السنة المبيت بمزدلفة إلى أن يطلع الفجر فيصلى بها الفجر في أول الوقت ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر قبل طلوع الشمس، فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، وينبغي لأهل القوة ألا يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلوا بها الفجر ويقفوا بها، ومزدلفة كلها موقف لكن الوقوف عند قزح أفضل وهو جبل" الميقدة"، وهو المكان الذي يقف فيه الناس اليوم، وقد بني عليه بناء وهو المكان الذي يخصه كثير من الفقهاء باسم المشعر الحرام.

عن عائشةـ رضى الله ـ عنها قالت : " كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتى عرفات، ثم يقف بها ثم يفيض، فذلك قوله من حيث أفاض الناس" فى البخارى وشرح النووى، قال القرطبى :‏ ‏أي اذكروه بالدعاء والتلبية، ويسمى "جمعا" لأنه يجمع فيه المغرب والعشاء، وسمي مشعرا من الشعار وهو العلامة، لأنه معلم للحج والصلاة والمبيت به، والدعاء عنده من شعائر الحج، ووصف بالحرام لحرمته.

نشرت يوم الخميس 20 رمضان 1430 هـ / 10 - 9 - 2009

عيون موسى






أماكن فى القرآن

عيون موسى

علي جاد

مكان حدثت به الكثير من معجزات نبى الله موسى ـ عليه السلام ـ منها عيون الماء التى تفجرت من الصخور بضربة من عصاه، حيث أوحى الله له أن يضرب بعصاه الحجر بعد أن طلب منه قومه الماء، فانفجرت اثنتا عشرة عينا، وذهبت أراء كثيرة فى ماهية هذه العيون وأين كان مكانها وقت تفجرها ؟ وأين هى الآن ؟! وهل مازال الماء يتفجر منها أم جفت ؟ وهل كانت معجزة فى وقتها وانتهت بانتهاء سببها ؟ أسئلة كثيرة اجتهد العلماء والمفسرون فى الإجابة عنها، كان أقربها أن هذه العيون تقع فى سيناء على بعد 15 كيلو مترا شرق السويس، وتحديدا على الضفة الشرقية من خليج السويس، فى منطقة تعرف اليوم باسم "عيون موسى" وتبعد ٦٠ كيلو مترا عن نفق الشهيد أحمد حمدي، وقد أهملت هذه المنطقة وتعرضت آبار "عيون موسي" الأثرية إلي جفاف ٥ منها، فيما سكنت الطحالب وأشجار البوص بقية الآبار الـ٧ إلى أن انتبهت لها وزارة الثقافة المصرية فقررت البدء في إحيائها، وتحويلها إلى مزار سياحي، نظرا لأهميتها التاريخية والدينية، بعد أن تعرضت للتدمير على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بعد عام 1967.

"وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.." سورة البقرة آية (60)

قوم موسى هم بنو إسرائيل الذين قضى الله عليهم التيه وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ، وأنعم عليهم من فضله وكرمه وأعطاهم ما لم يعط أحدا، وبرغم ذلك عصوا وفسقوا وسعوا فى الأرض فسادا، وكانت فيهم هذه المعجزة وهى تفجر الصخور بالماء ليشربوا بعد عطش كاد يهلكهم، يذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية عن ابن عباس، قال :" جعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون، لكل سبط عين، لا يرتحلون خطوة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الأول" ـ وفى هذا الكلام خلاف سنذكره ـ فقيل لهم :" كلوا واشربوا من رزق الله"، أمر من الله جل ثناؤه بأكل ما رزقهم في التيه من المن والسلوى، وبشرب ما فجر لهم من الماء من الحجر الذي لا قرار له في الأرض، ولا سبيل إليه إلا لمالكيه، يتدفق بعيون الماء ويزخر بينابيع المياه العذبة بقدرة ذي الجلال والإكرام، ثم تقدم جل ذكره إليهم مع إباحتهم ما أباح، وإنعامه بما أنعم به عليهم من العيش الآمن، ونهاهم عن السعي في الأرض فسادا واستكبارا".

وفى تفسير هذه الآية آراء كثيرة، فقيل إنه حجر فى جبل الطور بسيناء مصر، وآخر لم يحدد للحجر مكانا بعينه وأنه كان يجف بعد أن يتركونه، وفى تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبى قال إن العين‏: هى‏ الثقب في المزادة، والعَين من الماء مشبهة بالعين من الحيوان لخروج الماء منها كخروج الدمع من عين الحيوان‏،‏ وقيل‏:‏ لما كان عين الحيوان أشرف ما فيه شبهت به عين الماء لأنها أشرف ما في الأرض‏، لما استسقى موسى ـ عليه السلام ـ لقومه أمر أن يضرب عند استسقائه بعصاه حجرا قيل مربعا طوريا من الطور على قدر رأس الشاة يلقى في كسر جوالق ويرحل به، فإذا نزلوا وضع في وسط محلتهم، وذكر أنهم لم يكونوا يحملون الحجر لكنهم كانوا يجدونه في كل مرحله في منزلته من المرحلة الأولى، وهذا أعظم في الآية والإعجاز‏،.

وقيل‏:‏ إنه أطلق له اسم الحجر ليضرب موسى أي حجر شاء وهذا أبلغ في الإعجاز‏،‏ وقيل‏:‏ إن الله تعالى أمره أن يضرب حجرا بعينه بينه لموسى ـ عليه السلام ـ ولذلك ذكر بلفظ التعريف‏،‏ قال سعيد بن جبير‏:‏ هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه لما اغتسل وفر بثوبه حتى برأه الله مما رماه به قومه‏،‏ وقال ابن عطية‏:‏ ولا خلاف أنه كان حجرا منفصلا مربعا تطرد من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى وإذا استغنوا عن الماء ورحلوا جفت العيون.

وقد ذاعت شهرة عيون موسى التاريخية منذ العصور القديمة، إذ كانت في العصور الوسطى منطقة للحجر الصحي للحجاج القادمين من الأراضي الحجازية قبل الدخول إلى السويس والقاهرة، وتضم المنطقة آثارا نادرة ترجع إلى عصور مختلفة، والحفريات التي جرت بها أخيرا كشفت عن 6 آبار أثرية ترجع للعصر الروماني، إضافة إلى قنوات للري تم تشييدها من الأواني الفخارية، وأفران مشيدة بالطوب الأحمر تعود لنفس العصر، وعيون موسى تتميز مياهها العذبة بتوافر بعض الأملاح المعدنية التي لها صفات علاجية خاصة، كأملاح الصوديوم والماغنسيوم التي تلعب دورا كبيرا في علاج أمراض الكلى والجهاز البولي.

وذكر ابن خلدون فى كتابه" العبر وديوان المبتدأ والخبر" إن موسى كان يقرع لهم أقرب حجر فتنفجر منه عيون، فتهامسوا بينهم قائلين إن فقد موسى عصاه متنا عطشا، فأوحى الله إليه بأن يكلم الحجارة فتعطيه، فقالوا : كيف بنا إذا رحلنا إلى أرض ليس فيها حجارة ؟ فأمر الله موسى أن يحمل معه حجرا فحيثما نزل ألقاه ! إلخ .. وهذا من الخرافات، ليس لها أصل عند اليهود ولا عند المسلمين واستدل بذلك على أن بنى إسرائيل كانوا ألوفا فكيف يشرب مئات الألوف أو الملايين من حجر صغير يحمل؟! والله أعلم.

نشرت يوم الأربعاء 19 رمضان 1430هـ / 9 - 9 - 2009اضغط هناhttp://www.al-seyassah.com/PDF/09/SEPT/09/35.pdf

تحت الشجرة



أماكـن في القـرآن


تحت الشجرة


على جاد

مكان وقعت عنده أحداث قصة معاهدة للصلح بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكفار قريش .. تحت الشجرة كان الصلح والاتفاق على شروط يلتزم بها الطرفان، أطلق عليها شجرة البيعة وهى بموضع يقال له الحديبية، يبعد عن الحرم المكى قرابة 25 كيلو مترا، وهى المنطقة التى تعرف الآن بالشميس، وهى البوابة التى يحجز عندها غير المسلمين، وقد ظلت شجرة البيعة المذكورة فى الآية قائمة حتى خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ وذات يوم بلغه أن الناس يشدون الرحال إليها قاصدين الصلاة عندها تبركا وتعظيما، فأمر بقطعها لئلا يخرج الناس ببدعتهم هذه عن صحيح الدين، واشتهر موقع الحديبية فى التاريخ الإسلامى بحادث الهدنة الذى عقد بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين مشركى مكة، وذلك فيما عرف بصلح الحديبية، وكان لهذا الصلح ثماره العظيمة التى جعلته من أعظم فتوحات الإسلام.

"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .." سورة الفتح آية (18)

في العام السادس من الهجرة، وتحديدا في شهر ذي الحجة خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المدينة متوجها إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، كما ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية، وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب، وليس معهم من السلاح إلا السيوف، وقد ساقوا معهم الذبائح؛ ليظهروا حسن نيتهم ويعلموا أهل مكة أنهم جاءوا حاجين إلى البيت وزائرين له، ولم يأتوا لحرب أو قتال، فوصل خبر مسير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكة، فإذا بقريش تفور من الغضب والغيظ، فكيف يتجرأ المسلمون على المجيء إليهم، ودخول مكة بهذه السهولة؟! فلا بد من صدهم ومنعهم من دخولها، وتعاهدوا على ألا يدخلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذين معه، وخرجت خيلهم يقودها خالد بن الوليد؛ لمنع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه من دخول مكة.

تحت الشجرة.. مكان أصبح مجلس حكم ومشاورة ومبايعة وتأييدا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، يقول الطبرى فى تفسيره لقوله تعالى: " إذ يبايعونك تحت الشجرة " يعني بيعة أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الله بالحديبية، حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب، وعلى ألا يفروا ولا يولوهم الدبر، تحت الشجرة كانت بيعتهم فيما ذكر، وكان سبب هذه البيعة ما قيل : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قد أرسل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ برسالته إلى قريش، فأبطأ عثمان عليه، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وبينما ركب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه يسير بأمر الله تعالى بركت الناقة التي يركبها الرسول في مكان قريب من مكة يسمى الحديبية، فقال الصحابة: خلأت القصواء ـ اسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ خلأت القصواء .. فقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، لكن حبسها حابس الفيل " في البخاري، فعلم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لا يريد له دخول مكة، ولا الصدام مع قريش في ذلك الوقت، فقرر التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت الحرام.

أحداث الصلح وما دار بين الطرفين ذكرها المفسرون بالتفصيل، وجميعهم لم يخرج عن الآخر إلا ببعض الشرح أو التعليق، يقول ابن كثير فى تفسيره للآية الكريمة: فبعد طول الكلام والمراجعة فيما بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسهيل بن عمرو، حضرت الدواة والصحيفة ودعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلا يكتب الكتاب بينهم ودعا أوس بن خولي يكتب، فاعترض سهيل ألا يكتب إلا أحد الرجلين ابن عمك علي أو عثمان بن عفان، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا أن يكتب، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : لا أعرف الرحمن، اكتب كما نكتب باسمك اللهم، فضاق المسلمون من ذلك وقالوا : هو الرحمن، وقالوا : لا تكتب إلا الرحمن، قال سهيل : إذن لا أقاضيه على شيء، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اكتب باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه رسول الله، فقال سهيل : لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك، أفترغب عن اسمك واسم أبيك محمد بن عبد الله ؟ فضج المسلمون منها ضجة هي أشد من الأولى حتى ارتفعت الأصوات وقام رجال من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون لا نكتب إلا محمد رسول الله.

كان هذا الجدل سببا فى نزول قرآن في سهيل حين رفض أن تبدأ الكتابة باسم الرحمن، قال تعالى : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .. " سورة الإسراء آية (110)، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا محمد بن عبد الله فاكتب، فكتب " باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .." إلى آخر شروط الصلح.


نشرت يوم الثلاثاء 18 رمضان 1430 هـ / 8- 9- 2009

طور سيناء





أماكن فى القرآن

طور سيناء


علي جاد

جبل مبارك اختلف العلماء والمفسرون فى مكان وجوده الآن .. جرت عليه أحداث كثيرة كان أهمها تجلى الله سبحانه وتعالى لموسى وتكليمه، ذكر فى القرآن الكريم مرة مقترنا بكلمة سيناء ومرة بكلمة سنين، ومرة منفردا فى صيغة قسم فى صورة الطور، طور سيناء هو جبل من الجبال المباركة موجود بسيناء مصر ـ حسب الرأى الراجح ـ نشأت باسمه مدينة الطور وقد اتفقت أغلب الآراء عليه.

وتبعد مدينة الطور عن نفق الشهيد أحمد حمدى على خليج السويس بنحو 265 كيلو مترا وهى عاصمة جنوب سيناء، وتعد منطقة تاريخية أثرية، فيوجد به دير تم بناؤه فى القرن الرابع الميلادى وحمام موسى عند سفح الجبل، وقد وجد الباحثون فى جولات بحثهم فى مدينة الطور العديد من النقود الفضية والنحاسية التى ترجع لعهد الرومان والبيزنطيين، ومدينة الطور تقع على هضبة مرتفعة عن سطح البحر، فدرجة الحرارة فيها أقل منها فى باقى مدن جنوب سيناء، وذلك عدا سانت كاترين التى تقع على قمة الجبل فإنها الأكثر برودة، وتقع قبل مدينة شرم الشيخ بـ100 كيلو متر.

"وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" سورة المؤمنون آية (20)

والطور فى اللغة عند العرب هو الجبل الذى تكون فيه أشجار مثل الذى كلم الله عز وجل موسى عليه، أما الذى ليس فيه شجر فلا يسمى طورا وإنما يقال له جبل، وقد أنبت الله شجرة الزيتونة في الأصل من هذا الجبل الذي بارك الله فيه، ذكر القرطبى فى تفسيره لهذه الآية أن طور سيناء من أرض الشام وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل هو جبل بيت المقدس ممدود من مصر إلى أيلة، واختلف المفسرون والعلماء في وجوده فى سيناء، فقيل أن كلمة سيناء تعنى حجرا بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده، وقيل : كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء أي حسن.

وروى فى الأثر أن أربعة جبال من جبال الجنة هى: أحد والطور ولبنان والجودى، وأربعة أنهار من أنهار الجنة منها النيل والفرات، والطور على الأرجح مقصود به طور سيناء بأرض مصر ومنه نحتت ألواح موسى عليه السلام ويقصده السياح من جميع أنحاء العالم، وقيل إنه ببلاد الشام، و" الأرض المباركة "أى طور بيت المقدس، لكن القول الراجح هو الأول أنه بمصر وموجود بمدينة طور سيناء حاليا.

كما ذكر الطور فى القرآن الكريم لفظا منفردا دون إضافته لكلمة أخرى فى صيغة قسم، وسميت السورة باسمه، ففى تسمية سورة الطور بهذا الاسم وهل لها علاقة بطور سيناء المذكور فى الآية ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية أن الطور المقصود هنا هو الجبل الذى يكون فيه أشجار مثل الذى كلم الله عليه موسى وأرسل منه عيسى، وما لم يكن فيه شجر لا يسمى طورا إنما يقال له جبل، إذن كلمة الطور تقال للجبل الذى به زرع، وهو هنا يعنى أى جبل مثمر وليس طور سيناء، ولو عقدنا مقارنة بين "طور سيناء" و"الطور" لوجدنا أن إضافة سيناء للطور حدد مكانا بعينه وهو جبل الطور الموجود بسيناء مصر، أو الموجود بالقدس، أما ذكره منفردا فيعنى الجبل الذى به زرع، وأكثر العلماء والمفسرين قالوا بهذا.

وذكر الرازي في تفسيره أن المراد بطور سينين وطور سيناء إنما هو طور بيت المقدس، ومنها ما ذكر عن المفسرين من أن طور سيناء تعني الجبل المشجر المثمر، ثم إن سورة التين نفسها تشير إلى هذا، فالآية تذكر بقعتين يقسم الله بهما: الطور والبلد الأمين، فأما البلد الأمين فهو (مكة) وأما الطور فهو الذي ببيت المقدس بالأرض المباركة، ولو سلمنا بهذا ففى معنى أن الطور هو أى جبل مثمر، يكون الأولى هنا أن يكون القسم بجبل الزيتون المثمر وهو الذى بالقدس، إذن طور سيناء غير طور القدس، وهنا يصبح طور سيناء هو جبل بمصر، وطور سنين جبل بالقدس، والطور المقسوم به فى سورة الطور أى جبل مثمر، والأمر هنا يرتبط بأماكن مقدسة ومقدسات يقسم بها الله سبحانه على الأمر العظيم ليس أكثر، وقيل أيضا إن الشجرة تخرج من طور سيناء وهو جبل بفلسطين،أو بين مصر وأيلة وهو مكان معروف يسمى اليوم العقبة ويقع على مراحل من مصر، وشجرة الزيتون نسبت إلى جبل الطور لأنه كان الأرض التى احتوتها أو لكثرتها فيه.

وذهب من قال إن جبل الطور موجود بالقدس وليس فى سيناء مصر إلى أن جبال طور سيناء ليس بها شجر زيتون مثمر، وهذا ـ حسب قولهم ـ يخالف معنى الآية التى دلت صيغ المضارع فيها على أنها مستمرة حاضرة مثمرة حتى الآن، حيث إنها كلها صفات للجود والعطاء الحاضر المستمر، وهذا ليس متوافرا فى طور سيناء، أما طور الأرض المباركة فشجر الزيتون المثمر موجود عليه على مدار السنين، حتى إن أهل بيت المقدس يسمونه "جبل الزيتون" وهو أعلى جبل في بيت المقدس، حيث يشرف على بيت المقدس من الناحية الشرقية ويعتبر أكبر وأعلى من كل الجبال الأخرى القائمة هناك، ويبلغ ارتفاعه 846 مترا عن سطح البحر وعندما قرأت فى كتاب "وصف الأرض المقدسة" وجدت وصفا كاملا لجبل الزيتون ولم يذكر فى الوصف تاريخ الجبل من الناحية الدينية أى شيء يدل على أنه جبل طور سيناء.

نشرت يوم الإثنين 17 رمضان 1430 هـ / 7- 9 - 2009

قائمة المدونات الإلكترونية