الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

حنين



أماكـن فى القـرآن


حنين


علي جاد

ذكرت حنين مرة واحدة فى القرآن الكريم فى سورة التوبة .. وحنين هو أحد أودية شبه الجزيرة العربية التى يوجد بغربها، ويقع بين مدينتى مكة والطائف ويبعد عن مكة المكرمة بنحو 24 كيلومترا شرقا، ويعرف اليوم باسم الشرائع، وقد شهد وادى حنين أولى الغزوات الإسلامية بعد فتح مكة، وتعرف بغزوة حنين أو معركة حنين، وكانت أحداثها فى شهر شوال فى السنة الثانية من الهجرة، بين المسلمين والمشركين المتمثلين فى قبيلتى هوازن وثقيف، وسببها هو القضاء على تجمعهما قبل مهاجمتهما المسلمين، وكان الله عز وجل قد وعد رسوله أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجا، وتم الفتح ودانت له العرب بأسرها، فلما تم له الفتح المبين تألبت عليه قلوب هوازن ومن تبعها وكادت للإسلام، فجمعوا لحرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين.

"لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا .."
سورة التوبة آية (25)

يصف القرطبى غزوة حنين بأنها من أهم الغزوات الإسلامية التى أيد فيها الله سبحانه وتعالى نبيه بنصر عظيم من عنده، فقد خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى اثنى عشر ألفا من المسلمين حتى وصل إلى وادى حنين، وهو من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت فى جنبتى الوادى، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد فانهزم جمهور المسلمين، وثبت الرسول عليه الصلاة والسلام، وثبت أبو بكر، وعمر ومن أهل بيته على والعباس، ولم ينهزم الرسول ولا أحد من هؤلاء، وأمر الرسول بجمع المسلمين مرة أخرى ثم أخذ بحفنة من حصيات فرمى بهن وجوه الكفار قائلا " انهزموا ورب محمد " قيل "فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا " وتحقق النصر للمسلمين وكانت هناك الكثير من الغنائم.

لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري من بني نصر بن مالك، وكانت الرياسة في جميع العسكر إليه، وساق مع الكفار أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم وتشتد في القتال عند ذلك شوكتهم، حسب ما ذكره القرطبى فى تفسيره، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل : أربعة آلاف، من هوازن وثقيف، وكان على هوازن مالك بن عوف، وعلى ثقيف كنانة بن عبد، فنزلوا بأوطاس، وبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عينا، فأتاه وأخبره بما شاهد منهم، فعزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قصدهم.

خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اثني عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمى الفتح وهم الطلقاء إلى من انضم إليه من الأعراب من سليم وبني كلاب وعبس وذبيان، كما ذكر القرطبى وابن كثير في تفسيريهما، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد، وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها، فقالوا : يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال عليه السلام :( الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )، فنهض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أتى وادي حنين، وهو من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش الصبح، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، فانهزم جمهور المسلمين ولم يلو أحد على أحد، وثبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثبت معه أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن قتل يومئذ بحنين - وربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس ولم ينهزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أحد من هؤلاء، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بغلة شهباء اسمها دلدل .

لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم الجوزية فى كتابه " مجموع الفتاوى"، الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا هوازن وثقيف، فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد هوازن، وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم، وكان المسلمون قد غرهم نصرهم فاقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وعدتهم وقوة شوكتهم ليظهر أمر الله وتمام إعزازه لرسوله ونصره لدينه.

نشرت يوم الأحد 16 رمضان 1430هـ / 6 -9 - 2009

المسجد الأقصى




أماكـن في القـرآن

المسجد الأقصى

علي جاد

أماكن مقدسة كثيرة أشار إليها القرآن الكريم باسمها وأخرى وضع لها اسما مختلفا عن الذى عرفت به .. المسجد الأقصى هو ثالث مسجد تشد إليه الرحال وهو أولى القبلتين قبل أن تتحول قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام، كان يعرف قديما بـ"بيت المقدس" قبل نزول التسمية القرآنية له.

والمسجد الأقصى هو المنطقة المحاطة بالسور المستطيل فى جنوب شرق مدينة القدس المسورة وأغلبها غير مسقوف، باستثناء الجامع المبني في صدرها من جهة القبلة ويسمى الجامع القبلى وتعلوه قبة رصاصية، وقبة الصخرة ذات اللون الذهبي المميز الواقعة في قلب المسجد الأقصى المبارك تعد علامة مميزة له، ويقع فوق هضبة صغيرة تسمى هضبة موريا.

وتوجد بالمسجد الأقصى المبارك عدة مصليات وقباب أخرى وأسبلة مياه، وأماكن للوضوء وآبار ومصاطب ومحاريب وأروقة ومدارس، حسب ما وصف ابن الجوزى فى كتابه " تاريخ بيت المقدس " وتبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك 144 ألف متر مربع أي ما يعادل نحو سدس البلدة القديمة، وتبلغ أطوال سوره 491مترا في جهته الغربية، و462مترا في جهته الشرقية، و310 أمتار في جهته الشمالية، و281مترا في جهته الجنوبية.

"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.." الإسراء (1)

لقد كان للمسجد الأقصى قدسية ومهابة وتعظيم لدى كل البشر منذ تم بناؤه، وعلى مر التاريخ لم يتعرض له أحد بضرر مثلما يتعرض الآن، وبرغم ضعف بنيانه وبساطة تكوينه فإنه يقف فى صمت يشهد ويشاهد ظلام وظلم العالم من حوله، وسيظل حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مات فى بيت المقدس فكأنما مات فى السماء " وأغلب الرسل والأنبياء والأحداث التى ذكرت فى القرآن الكريم والخاصة بالأنبياء كانت حول بيت المقدس، ففى تأويل قوله تعالى: " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية " سورة البقرة آية 58، قال ابن عباس رضى الله عنهما : القرية هى بيت المقدس، وكلوا منها حيث شئتم رغدا، يريد الإحسان عليكم، وادخلوا الباب سجدا يريد باب المسجد الأقصى.

المسجد الأقصى عمل معمارى يجمع بين البساطة والجلال على صورة نادرة فى غيره من المساجد، فإن بناءه برغم ضخامته هش، والجدران الحاملة للقبة الكبرى لا تتميز بضخامة والقبة بسيطة رغم زخارفها مما يخشى عليه من أى حماقات للعبث به أو بجواره من أعمال حفر أو بنيان، عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه قال : "قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولا قال المسجد الحرام، قال قلت ثم أى قال ثم المسجد الأقصى .. "، وللمسجد الأقصى قدسيته خاصة بعد الإسراء والمعراج، حيث أسرى برسول الله من المسجد الحرام إليه، وفيه صلى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ إماما بالأنبياء، ومنه عرج إلى السماء العليا، والصلا ة فى المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة فى غيره من المساجد غير المسجد الحرام والمسجد النبوى، ومن أهم معالمه قبة الصخرة والجامع القبلى.

وقد سمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة، وفى سر البركة التى حوله ذكر القرطبى فى تفسيره لهذه الآية أن البركة هنا هى كثرة الثمار ومجاري الأنهار، وقيل : بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين، وبهذا جعله مقدسا مباركا، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله اختار من المدائن أربعة : مكة وهى البلدة، والمدينة وهى النخلة، وبيت المقدس وهى الزيتونة، ودمشق وهى التينة، واختار من الثغور أربعة : إسكندرية مصر، وقزوين خرسان، وعدان العراق، وعسقلان الشام، واختار من العيون أربعة قال تعالى :"فيهما عينان تجريان " سلوان وبيسان، وقال " فيهما عينان نضاختان " زمزم وعين عكا..."، وقد تم إعادة بناء المسجد أكثر من مرة منذ وضع أساسه الأول سام بن نوح عليهما السلام ثم داود وسليمان عليهما السلام عندما أعادوا بناءه على ذلك الأساس، وقد ذكر ابن الجوزى فى كتابه "تاريخ بيت المقدس" أن أراء كثيرة ذهبت إلى أن أساس بيت المقدس وضع قبل سام عليه السلام، وأن من بنى المسجد بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما السلام.

وفى عظيم شأن المسجد عند الله عز وجل روى عن ابن عباس رضى الله عنه قال : لما أراد الله تعالى أن يقبض روح إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال الله إلى الدنيا: " إنى أدفن فيك خليلى، فاضطربت الدنيا اضطرابا شديدا وتشامخت جبالها وتواضعت منها قرية يقال لها حبرى، فقال الله تعالى : يا حبرى أنت قدسى أنت خزانة علمى وعليكى رحمتى وبركاتى وإليك أحشر خيار عبادى، فطوبى لمن وضع جبهته فيك لى ساجدا، أسقيه من حضرة قدسى، وآمنه من الفزع الأكبر يوم القيامة، وأسكنه الجنة برحمتى، معلو بالك ثم طوبى لك أدفن فيك خليلى" حديث قدسى، قيل ما يسكن أحد فى بيت المقدس حتى يشفع فيه سبعون ملكا، روى معاذ بن جبل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : ( يقول الله تعالى يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي ) .

نشرت يوم السبت 15 رمضان 1430 هـ / 5 - 9 - 2009

عايز تشوف المسجد الأقصى وكأنك تراه بعينك ؟ اضغط هنا http://www.360tr.net/kudus/mescidiaksa_eng/index.html

السد





أماكـن في القرآن

السـد

على جاد

لم يكن مكان السد الذى ذكره القرآن الكريم فى قصة يأجوج ومأجوج معروفا حتى وقت قريب، إلى أن ذهبت آراء واجتهادات كثيرة تبحث عن مكان هذا السد الذي سيظل حتى يأتى وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج منه بعد أن يجعله الله دكا.

قيل إنه موجود بين أرمينيا وأزربيجان وتحديدا فى الشمال الغربى لصحراء كوبا الفاصلة بين الصين وبلاد المغول شمال الصين وجنوب منغوليا، وقد وجد السد هناك ولم تزل آثاره إلى اليوم يشاهدها الجغرافيون والسائحون، وقديما قال المفسرون إنه فى أواخر شمال الأرض، وذكر الألوسى أنه حال بيننا وبين ذلك المكان مياه عظيمة، بمعنى انه قد يكون مكان السد مغمورا بمياه البحار مثلما غمرت قرى كثيرة بالردم أو الحرق واكتشف بعضها ولا يزال بعضها غير معروف بوجه دقيق، وهذه الآراء كانت قبل الاكتشافات العلمية الحديثة التى تكشف لنا كل يوم جديدا.

"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا" سورة الكهف آية (94 )

ويأجوج ومأجوج موجودتان الآن وهما محبوستان خلف هذا السد الحصين المنيع السميك الذي بناه عليهم ذو القرنين بسبب إفسادهم وشرورهم، ذكر الطبرى فى تفسيره لهذه الآية أن هذا السد موجود على الحدود التركية الروسية قريبا من جبال القوقاز، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هو في منقطع بلاد الترك مما يلي أرمينيا وأذربيجان) أى السد، وذكر هذا القول أكثر المفسرين ولا يستطيع أحد الوصول إليهم وإخراجهم، وإنما يكون خروجهم عندما يأذن الله لهم بالخروج، والقصة نعلمها وهى حقيقة لا مراء فيها، ومما يدل أيضا على وجود السد قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما استيقظ من النوم فزعا قائلا :"لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون، قال نعم إذا كثر الخبث" فى الصحيحين، والخبث يعني الفسق والمعاصي والنفاق.


أكثر كتب التفسير ذكرت أن يأجوج ومأجوج مكانهم فى بلاد الغرب وخروجهم من علامات الساعة، وهما طائفتان من الترك من ذرية آدم عليه السلام، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة، يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك: قم فابعث بعث النار من ذريتك، فيقول: يارب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، قال: فاشتد ذلك عليهم، قالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، فإن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا" فى الصحيحين، وهم من ولد نوح عليه السلام، عن أبى هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: "ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر والسودان .

وفى كتب التاريخ وجدت واقعة غريبة حدثت في زمن الخليفة العباسي الواثق بالله (232- 722م) رواها المسعودى فى كتابه " نزهة المشتاق " حيثُ رأى الخليفة في المنام حلما تراءى له فيه أن السد الذي يحول دون تسرب يأجوج ومأجوج قد انفتح فأفزعه ذلك، فكلف الرحالة سلام الترجمان بالقيام برحلة ليستكشف له مكان سد ذي القرنين، وزوده بخمسة أدلاء ساروا معه 25 يوما حتى انتهوا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة، فساروا فيها عشرة أيام، حتى وصلوا إلى مدن خراب فساروا فيها عشرين يوما، وسألوا عن خبرها فقيل هي المدن التي خربها يأجوج ومأجوج، ثم صاروا إلى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السد، وفي تلك الحصون قوم يتكلمون العربية والفارسية، مسلمون يقرؤون القرآن ولهم كتاتيب ومساجد، وبين كل حصن وآخر فرسخان، ثم صاروا إلى مدينة يقال لها (إيكة) لها أبواب من حديد وفيها مزارع وهي التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره، بينها وبين السد مسيرة ثلاثة أيام، ثم صاروا إلى جبل عال عليه حصن، والسد الذي بناه ذو القرنين، يقول الرحالة سلام الترجمان"هو فج بين جبلين عرضه 200 ذراع، وهو الطريق الذي يخرجون منه، فيتفرقون في الأرض، فحفر أساسه 30 ذراعا وبناه بالحديد والنحاس، ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتي الفج عرض كل منهما 25 ذراعا في سمك 50 ذراعا، وكله بناء بلبن مغيب في نحاس، وعلى العضادتين عتبة عليا من حديد طولها 120 ذراعا، وفوقها بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر".

أما عن سبب تسمية ذى القرنين بهذا الاسم فقال ابن كثير لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، ويقال أنه سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب، والسد فهو ردم، والردم ـ كما يقول القرطبى ـ ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل، والردم أيضا الاسم وهو السد، وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به، والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض.

نشرت يوم الجمعة 14 رمضان 1430 هـ / 4 - 9 -2009



بابل




أماكـن في القـرآن

بابل
علي جاد

نحن اليوم فى مدينة ارتبط ذكرها فى القرآن الكريم بقصة سيدنا سليمان ـ عليه السلام ـ وحادثة السحر والملكين، وما يحكيه الناس من أساطير حول السحر والسحرة وأعمالهم المخيفة، مما دعا الغرب إلى جمع أعاجيب الشرق وقصصه فى مؤلفات يونانية ورومانية، خلطوا فيها الحقائق بالأكاذيب، فجنحوا بخيالهم إلى ما ليس بحقيقى بعيدا عن الواقع .. 

هناك فى هذا المكان الواقع فى بلاد الرافدين يحكى لنا القرآن الكريم قصة مدينة بابل، حيث أجمع المؤرخون على أن بابل المقصودة فى القرآن الكريم موجودة فى العراق، ولا توجد فى بلاد المغرب أو المشرق مدينة مشهورة بهذا الاسم سوى بابل العراق، وتقع على نهر الفرات وتبعد عن بغداد 90 كيلومترا جنوبا، وهى بالقرب من أضيق منطقة يتقارب فيها نهرا دجلة والفرات، ويتركز فيها العمران والسكان ولها مناعة جغرافية وطبيعية.

"واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.." سورة البقرة102


بابل دولة قديمة لها تاريخ وحضارة عرفها العالم قديما وحديثا، وخلدها القرآن الكريم بذكرها، نشأت فى حضن ضفتى نهرى دجلة والفرات، وكان من أشهر ملوك الدولة البابلية الأولى الملك حمورابى، بل أشهر الحكام فى التاريخ القديم، كانت تعيش فى المدينة أسرة عرفت بالأسرة البابلية، وملخص ما ذكره القرطبى والطبرى فى تفسيريهما لهذه الآية أن بابل كانت محط إعجاب الجميع ومرتعا خصبا للأساطير والقصص والحكايات حتى نالت اهتماما من كل عواصم بلاد الشرق المعاصرة لها، وقد وضع البابليون قوانين لعلم السحر والشعوذة الذى كانت له مكانة لدى أهل بابل والشرق فى العصور القديمة، فعرفوا السحر الأبيض النافع والأسود الضار، وعبدوا آلهة خاصة بالسحر لدفع الضرر وجلب الخير ومقاومة الأرواح الشريرة، وكان رجال الكهنوت أعلى مكانة من رجال الدين فكانوا يقيمون طقوسا خاصة بذلك، وكانت الشياطين تلعب دورا بارزا فى السحر حتى إن الساحر كان يقارع الشياطين الشريرة الضارة، واستخدم البابليون السحر فى الطب وشفاء الأمراض .

وفى سبب تسمية بابل بهذا الاسم اختلف المفسرون والعلماء، فقال القرطبى لتبلبل الألسن بها حين سقط صرح نمرود، وقيل سميت بذلك لأن الله تعالى لما أراد أن يخالف بين ألسنة بنى آدم بعث ريحا حشرتهم من الآفاق إلى بابل فبلبل الله ألسنتهم بها ثم فرقتهم تلك الريح فى البلاد، وقال ابن مسعود لأهل الكوفة انتم بين الحيرة وبابل، والبلبلة تعنى أيضا التفريق، ومما قيل فى البلبلة ما رواه ابن عباس أن نوحا عليه السلام لما هبط على الجودى ابتنى قرية سماها ثمانين، فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحداها اللسان العربى وكان لا يفهم بعضهم بعضا.

روايات عدة قيلت فى قصة بابل والملكين، منها ما ذكره ابن كثير أنه لما كثر بنو آدم وزاد فسادهم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال : ربنا ألا تهلكهم ؟ فأوحى الله إلى الملائكة أن الله تعالى لو أنزل الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا، يقول ابن عباس فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا، فأوحى الله إليهم أن اختاروا ملكين من أفضلكم فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، بعد أن أخبرهم سبحانه وتعالى بأنه لا رسول بينهما وبينه سبحانه وتعالى كما يرسل إلى بنى آدم رسلا، فلا تشركا بى شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر، قيل فلما نزلا ما أمسيا من يومهما الذى أهبطا فيه إلى الأرض حتى فعلا جميع ما نهيا عنه، وقد أنزلت "الزهرة" إليهما فى صورة امرأة من أهل فارس، فوقعا بالخطيئة فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا " ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا " فلما وقعا فى الخطيئة استغفروا لمن فى الأرض.

بابل هى الأرض الشاهدة على أحداث جرت فى كل مكان فيها بين الإنس والجن والشياطين، مشاهد يصعب على أعتى مخرجى أفلام الرعب تخيلها، كان سليمان ـ عليه السلام ـ بتأييد وعون من الله تعالى المسيطر على مجريات هذه الأحداث، حتى وقعت الخيانة من كاتبه "آصف" فكان يعرف الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان ـ كما ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية ـ أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل به، فكفر بعضهم وسبوه وظلوا يسبونه حتى أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - " واتبعوا ما تتلو الشياطين .. "، وقال بعض المفسرين إن سليمان ـ عليه السلام ـ كان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من نسائه أعطى امرأته خاتمه، فلما أراد الله أن يبتلي سليمان ـ عليه السلام ـ بالذي ابتلاه به أعطى امرأته ذات يوم خاتمه فجاء الشيطان في صورة سليمان فأخذ الخاتم ولبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، فجاءها سليمان فطلب خاتمه فكذبته وظنت أنه الشيطان، فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به، وانطلقت الشياطين تكتب في تلك الأيام كتبا؛ فيها سحر وكفر ودفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها وقرؤوها على الناس، وقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، فتبرأ الناس من سليمان واتهموه بالكفر حتى نزل قوله تعالى " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ..".




نشرت يوم الخميس 13 رمضان 1430هـ / 3 - 9 - 2009http://www.al-seyassah.com/PDF/09/SEPT/03/35.pdf






الكعبة





أماكن فى القرآن

الكعبة
علي جاد

مكان تحفه الملائكة ويقصده المسلمون من أنحاء العالم، تلبية لنداء مر عليه آلاف السنين .. الكعبة أقدم بيت وضع للناس، عظمه أهل مكة فى الجاهلية، حتى إنهم لم يستطيلوا عليه في البناء، بنيت من سبعة وعشرين مدماكا من الصخور الجبلية، ويقال إن إبراهيم عليه السلام بناها من صخور خمسة جبال هي : حراء وثبير والخير ولبنان وهي من جبال مكة وجبل الطور بصحراء سيناء شرق مصر.

وللكعبة المشرفة أسماء كثيرة غير الأسماء المعروفة التى وردت في القرآن الكريم، منها قادس وناذر والقرية القديمة، وقد جاء فى كتاب " تاريخ الكعبة المعظمة " لمؤلفه حسين عبدالله أن طولها من الجهة الأمامية الشرقية 12,84 متر، ومن ناحية ظهرها الغربية 12,11 متر، ومن جهة حجر إسماعيل الشمالية 11,28 متر، ومن جهة الحجر الأسود واليماني الجنوبية 12,11 متر، وارتفاعها 14 مترا.

"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين" آل عمران 96

يقول ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية : إن الله تعالى أخبر بأن أول بيت وضع للناس، أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده للذي ببكة، يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام ونادى الناس إلى حجه، ولهذا قال تعالى " مباركا " أي وضع مباركا، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال " المسجد الحرام " قلت : ثم أي ؟ قال " المسجد الأقصى " قلت : كم بينهما ؟ قال " أربعون سنة " قلت : ثم أي ؟ قال " ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد " في صحيح البخاري.

مرت الكعبة بأحداث كثيرة وشهدت ظلم وطغيان الناس على مر الأزمان، كان أفظعها انتهاك حرمتها بإدخال عبادة الأصنام فيها وتحريف دين إبراهيم عليه السلام، قال ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية إن الذى أدخلها هو عمرو بن لحي، وكان سيدا مطاعا جوادا كريما له مكانة كبيرة في نفوس العرب، وقد جلب صنم هبل من الشام وأدخله في جوف الكعبة وجعل له السدنة، قال النبي صلي الله عليه وسلم :" رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق يجر قصبه في النار"، والقصب هي الأمعاء، وكذلك العدوان الذي وقع من قبيلة جرهم عندما زنا أحدهم داخل الكعبة فمسخهما الله تعالى إلى حجرين هما إساف ونائلة، وقد عبدا من بعد، وعندما تفشى ظلم جرهم نضب ماء زمزم وعمد أحد صالحيهم إلى كنوز الكعبة فدفنها في بئر زمزم حتى حفرها عبد المطلب ووجدها.

وما لا يعرفه أكثر الناس أن الكعبة تم بناؤها أربع عشرة مرة منذ بنتها الملائكة ثم آدم عليه السلام وابنه شيث ثم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وذلك قبل أن تسيطر عليها قبيلة جرهم التي تزوج منها إسماعيل عليه السلام، كما ذكر ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية، بعدها أغارت قبيلة خزاعة وأجلت جرهم عن مكة وتولت أمر البيت 300 سنة، حتى أخرجها قصي بن كلاب المعروف بقريش الأكبر، وأعاد بناء الكعبة عام 5 قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم، وبعد البعثة بناها عبد الله بن الزبير عام 65 ه على ما كان النبي يرغب فيه وتخوف من ردة قريش في وقتها، فجاء الحجاج بن يوسف عام 74 ه وأزال كل ما بناه ابن الزبير وأرجع الكعبة على بناء قريش، وأخيرا قام السلطان مراد العثماني سنة1040 ه بإعادة بنائها، ثم الملك فهد بن عبد العزيز عام 1417هـ .

وأكمل وصفه بأن في الركن الجنوبي للكعبة يوجد الحجر الأسود على ارتفاع 110سم من أرض المطاف وعرضه 17 سم، وكان قطعة واحدة إلا أن الحوادث التي مرت عليه كسرته لثماني قطع أكبرها بحجم التمرة الواحدة، وقد تم ترميم هذه الحجارة ووضعت في حجر آخر ووضع حولها إطار من الفضة صنعه عبد الله بن الزبير وكان أول من فعل ذلك، ومن فضائل الحجر الأسود أنه ياقوت من يواقيت الجنة، وقد حمله النبي صلي الله عليه وسلم بيده ووضعه في مكانه عند بناء قريش للكعبة، وتقبيل النبي صلي الله عليه وسلم له والأنبياء السابقين له، وهو بداية الطواف ونهايته، يستجاب عنده الدعاء، ويشهد يوم القيامة لمن استلمه .

وباب الكعبة مصنوع من خشب التيك ومغلف بـ280 كيلوجراما من الذهب الصافي، ويبلغ طول الباب 310 سم، وعرضه 190 سم، وعلى ارتفاع 225 سم من أرض المطاف، حسب ما ذكر فى كتاب "تاريخ الكعبة المعظمة" ومكتوب في الباب سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن و15 اسما من أسماء الله الحسنى، وللكعبة مفتاح طوله 40 سم موضوع في حقيبة حريرية مطرزة بالذهب ومكتوب عليها ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) النساء 58، ومفتاح الكعبة عهدة حتى اليوم عند بني شيبة، وقد كان مفتاح الكعبة عندهم في الجاهلية، وعندما فتح النبي صلي الله عليه وسلم مكة ودخل الكعبة صلى فيها وأرجع لهم المفتاح وقرأ قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) وقال لهم "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة فيكم لا ينزعها منكم إلا ظالم"، وحجابة الكعبة يتوارثها بني شيبة إلى اليوم .

نشرت يوم الأربعاء 12 رمضان 1430هـ / 2 - 9 -2009


الرس

مشهد حقيقى لمكان الرس حاليا
رسوم أثرية يقال أنها من زمن أهل الرس

أماكن في القرآن


الرس
علي جاد

كانت الناس قديما  تهيم على وجهها فى العبادات ويشتد طغيانهم فى الأرض، منهم أصحاب الرس، سموا بذلك لأنهم رسوا نبيهم في الأرض أى دفنوه فيها، قال المفسرون إن الرس هو اسم بئر عظيمة أو هو البئر التى لم تطو بالحجارة، واختلفوا في موقعه الجغرافي، فقيل إن أصحاب الرس كانوا في حضرموت باليمن، وكانت مدينتهم تسمى الرس، وكانت ذات أشجار وثمار وقرى عامرة، عبد جزء من سكانها الأصنام وجزء منهم عبد النار.

وقيل إن الرس بئر قرب اليمامة يسمى "فلجا" وهم بقية ثمود، والآن هى بلدة "ليلى" الواقعة على بعد 300كم إلى الجنوب من الرياض، وكان أصحاب الرس يعبدون شجرة الصنوبر، فدعا عليها نبيهم فيبست، فقتلوه وألقوه في البئر، فأظلتهم سحابة سوداء أحرقتهم، والرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك.

"كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود" سورة ق آية (12)

قوم أتاهم الله من فضله، وأفاض عليهم من الخير ما لم يكن فى غيرهم، كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطيء نهر يقال له الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر منها، وقيل إنهم اتخذوا من شجرة الصنوبرة إلها فأضلهم الشيطان، فكان يحركها تحريكا شديدا ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين، ففرحوا بضلالهم وأسرفوا في ظلمهم، حتى جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا، فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيا من بني إسرائيل من ولد يهوذا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته.

عندما بعث الله تبارك وتعالى نبيا إلى أهل الرس لم يؤمن من أهلها إلا رجل أسود، واعتدوا على نبيهم وكذبوه وآذوه ووصل بهم الطغيان إلى أن ألقوه في البئر، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، وكان ذلك العبد كما ذكرت كتب التفسير والسيرة يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، فيشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى البئر، فيرفع تلك الصخرة، فيعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يعيدها كما كانت، وظل هكذا إلى ما شاء الله أن يكون، ثم ذهب يوما يحتطب، كما كان يصنع، فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحملها أخذه النوم فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما، ثم قام من نومه فتمطى، وتحول لشقه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم قام من نومه فاحتمل حزمته، وهو يظن أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يفعل، وذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده، وقد بدا لقومه شيء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه، فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون : ما ندري، حتى قبض الله النبي، فأقام الله الأسود من نومته بعد ذلك، وفى هذه القصة كما رواها الطبرى في تفسيره لهذه الآية أراء منها أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته، إذن ينبغي ألا يكونوا المعنيين بقوله تعالى : (وأصحاب الرس) لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم تدميرا، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به.

وكان للقرطبى رأى أورده فى تفسيره وهو أن أصحاب الرس هم أول من عمل نساؤهم السحق، وأنهم كانوا يستحسنون لنسائهم السحق، وكان نساؤهم كلهن سحاقات، وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أشراط الساعة أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السحق )، وورد فى أكثر كتب التفسير من أن أصحاب الرس بعد أن رسوا نبيهم، أهلكهم الله تعالى، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد، ثم أتى الله بقرن بعد ذلك فنزلوها، وكانوا صالحين سنين، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعوا ابنته وأخته وزوجته فيعطيها جاره وأخاه وصديقه، يلتمس بذلك البر والصلة، ثم ارتفعوا من ذلك إلى نوع أخزى، هو ترك الرجال للنساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال، فجاءت شيطانتهن في صورة امرأة فعلمت النساء السحاق وعلمتهن كيف يضعن، حيث يذكر أن (الدلهات) ابنة إبليس حببت النساء في ذلك الفعل، فسلط الله عليهم صاعقة في أول الليل وخسفا في آخره، وخسفا مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت مساكنهم.

وفى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ذكر أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفى أرضهم جميعها وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات حزنوا عليه حزنا شديدا، ما هى إلا أيام وتصور لهم الشيطان فى صورته وقال لهم إنى لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، فصدقه أكثرهم وعبدوه، فبعث الله فيهم نبيا وأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء حجاب ونهاهم عن عبادته وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.

نشرت يوم الثلاثاء 11 رمضان 1430هـ / 1-9-2009

جنات عدن

منظر تخيلى رائع.. لكن ما فى الجنة غير




أماكـن في القـرآن

جنـّات عَـدن

علي جاد

فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. مكان يشتاق إليه المسلمون وعدهم الله ـ عز وجل ـ به وبأنه أعد لعباد الله الطائعين العابدين الحامدين الشاكرين.
مهما تخيل الإنسان فخياله مقصور محدود لن يأتي ولو بواحد في المائة من شكلها وحياة من فيها ونعيمها الدائم وأنهارها ونسائها وأكلها، وسعادة وفرحة الصالحين بما آتاهم ربهم .. مكان اليوم فيه الكثير من الكلام هو الجنة والجنات والنعيم الدائم، فكلمة جنات تختلف عن الجنة ولكل واحدة معنى، فالجنات ذكرت في القرآن 49 مرة، منها تسع مرات مقترنة بكلمة (عدن)، ومرة واحدة فقط بــ (فردوس) في الآية 107 سورة الكهف، ومرة واحدة بــ (المأوى) الآية 19 السجدة، وست مرات فقط مقترنة بـــ (النعيم) ..

"وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ( التوبة : 72 )

كثر كلام أصحاب الآثار والمفسرين في صفة جنات عدن، ذلك المكان الذى تشتاق النفس إليه ويتمناه، فقال الرازي في تفسيره : هي البساتين التي تجرى مجرى الدار التي يسكنها الإنسان، والجنات الأخرة جارية مجرى البساتين التي قد يذهب الإنسان إليها لأجل التنزه، قال الحسن : سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن قوله (ومساكن طيبة في جنات عدن) فقالا على الخبير سقطت، سألنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال : "هو قصر في الجنة من اللؤلؤ، فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة، يعطي المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع".

وعن ابن عباس أنها دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قلت يا رسول الله حدثني عن الجنة ما بناؤها فقال : " لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصاؤها الدر والياقوت، فيها النعيم بلا بؤس والخلود بلا موت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"، وقال ابن مسعود : جنات عدن بطنان الجنة، قال الأزهري : بطنانها وسطها، وبطنان الأودية : المواضع التي يستنقع فيها ماء السيل واحدها بطن، وقال عطاء عن ابن عباس : هي قصبة سقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وسائر الجنات حولها وفيها عين التسنيم، وفيها قصور الدر والياقوت والذهب، فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر .

قال الصابوني في صفوة التفاسير : إن المتقين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح لهم الجنات التي فيها المساكن والدور والغرف العالية يأوون إليها ويستمتعون بها، قال البيضاوي : الجنة هي المأوى الحقيقي: والدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة، " نزلا بما كانوا يعملون " أي ضيافة مهيأة ومعدة لإكرامهم، كما تُهيأ التحف للضيف وذلك بسبب ما قدموه من صالح الأعمال، وعدهم على إيمانهم بجنات وارفة الظلال تجري من تحت أشجارها الأنهار لابثين فيها أبدا لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد، " ومساكن طيبة في جنات عدن " أي منازل يطيب فيها العيش في جنات الخلد والإقامة، قال الحسن هي قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد .. قال المفسرون : لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة، والجنة : هي دار النعيم في الدار الآخرة من الاجتنان، وهو الستر لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها، وسميت بالجنة وهي المرة الواحدة من مصدر (جنه) جنا إذا ستره، والجمع جنات.

يقول سبحانه وتعالى : "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ..." (النساء 57) أشار المفسرون والعلماء إلى أن هذه الآية إخبار عن مآل السعداء سندخلهم جنات تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها وأرجائها، حيث شاءوا وأين أرادوا مقيمين في الجنة لا يموتون، ولهم في الجنة زوجات مطهرات من الأقذار والأذى، قال مجاهد : مطهرات من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد، ويدخلهم ظلا ظليلا أي دائما لا تنسخه الشمس، لا حر فيه ولا برد، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى لأهل الجنة : " يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول : أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك، فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا، " الحديث في الصحاح ... اللهم اجعلنا وإياكم ممن يتقبل منهم العمل الصالح، واجعلنا من أهل الجنة، واللهم اغفر لنا وارحمنا وادخلنا الجنة بفضلك وكرمك .

نشرت يوم الإثنين 10 رمضان 1430هـ / 31-8-2009

بدر






أماكـن في القـرآن

بَـدْر
علي جاد


في ليلة سبعة عشر من رمضان قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلها ما بين ساجد وراكع لله عز وجل، يمد أكف الضراعة يستدر رحمة الله عز وجل، قائلا: (اللهم أنجزني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد في الأرض)، وهكذا يكرر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك الليلة توسله بين يدي الله، حتى إذا كان الصباح بدأت المعركة ..

 بدر هو الاسم الذي عُرفت به المعركة نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه وكان به بئر يسمى بدر حفره رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن يخلد بن النضر بن كنانة، وهى الآن محافظة من محافظات السعودية تتبع منطقة المدينة المنورة وتبعد عنها 150 كيلو مترا وعن ينبع 70 كيلو مترا، وتقترب من البحر مسافة لا تزيد على 40 كيلو مترا، تكمن أهميتها في أنها ملتقى الطرق الهامة بين ينبع والمدينة المنورة وجدة، وهي مركز إقليمي تخدم أكثر من 30 قرية، ويعتمد نشاطها الاقتصادي على الزراعة وصيد الأسماك.

" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " آل عمران 123

يوم بدر كان يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة ـ كما ذكر ابن كثير ـ وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فارسان وسبعون بعيرا والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في كامل عدته والخيول المسومة والحلي الزائد، فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبَيّض وجه النبي وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "، أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العَدَد والعُدَد.

درس في الشورى أرساه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الغزوة، ليتعلم المسلمون منه، فلما سلمت العير جمع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين في بدر فاستشارهم وقال: (أروني ماذا أفعل؟ فقالوا: يا رسول الله! نحن ما خرجنا للقتال، وليس معنا سلاح، ثلاث مرات)، فانتبه سعد ابن معاذـ رضي الله عنه - وكان زعيم أهل المدينة - فقال: (يا رسول الله لعلك تعنينا؟ قال: نعم) لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قد بايعه أهل المدينة على الدفاع لا على الهجوم، قال: (والله يا رسول الله لقد آمنا بك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وإنا والله لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، فوالله! لو وجهتنا إلى برك الغماد أو خضت بنا هذا البحر لخضناه وراءك ما تخلف منا رجل واحد).

من لطف الله بهذا الجمع القليل من المسلمين أن جعل فى قلوبهم الطمأنينة، وقذف في قلوب المشركين الرعب، بل أيد وأمد المسلمين بجنود من عنده نزلت بأمر الله لنصرة المستضعفين، فكانت معركة بين الحق والباطل حتى إن المفسرين قالوا إن إبليس شارك في هذه المعركة، فذكروا أن قريشا لما أرادت أن تخرج تذكروا أنه كان بينهم وبين بني كنانة ثأر، فخافوا إن هم خرجوا أن يخلفوهم في ديارهم، فجاء إبليس في صورة سراقة ابن مالك، وقال لهم: لا تخافوا منهم، أنا جار لكم لن يأتيكم منهم شر، وخرج معهم .. يقول ابن كثير : خرج إبليس برايته، وبجند معه بالرايات ومشوا حتى قاربوا أرض بدر، فلما رأى نزول الملائكة إذا به يسل يده منه، ويقول: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين، فأخذ عمرو ابن مالك يناديه: يا سراقة! يا سراقة! ألم تعاهدنا أن تكون معنا؟! ألم تعاهدنا على النصرة؟! فلم يجبه ومر في طريقه حتى نزل البحر، فلما سمع بذلك أبو جهل قال: لا يضرنكم انسحاب سراقة، لقد كان على موعد مع محمد.

إن المولى سبحانه هو الذي أخرج رسوله من بيته بالحق، وهو الذي تولى أمره، وهو الذي أيده بنصره، وسخر العوامل من أرض وسماء، ومن جنود المسلمين والملائكة، لنصرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.. ذكر معظم المفسرين أن الملائكة كانت تقاتل مع المسلمين فى غزوة بدر وأنهم فعلا قاتلوا وضربوا وقتلوا، فقد جاء رجل فوجد أسيرا موثقا فوقف وقال: (أسير من هذا؟! من الذي أسر هذا؟! فلم يجبه أحد، ففك وثاقه وذهب به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم فقال: وجدته موثقا وناديت فلم يعرفه أحد، قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: من أسرك؟ قال: رجل طوال بثياب بيض على فرس أبلق، قال: صدقت، هذا من ملائكة السماء الثالثة)، ومن آثار الملائكة في المعركة أن الرجل كان يسعى وراء المشرك ليضرب عنقه، فإذا به يرى الرأس قد انفصل عن سائر الجسد، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لهم: (علامة قتلى الملائكة وقتلاكم أنكم تجدون في أثر الضربة كأنه وسم بنار)، إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت تدل بواقعها على أن الله سبحانه وتعالى أرسل الملائكة نصرة للمسلمين.


نشرت يوم الأحد 9 رمضان 1430هـ / 30-8-2009
http://www.al-seyassah.com/PDF/09/AUGST/30/35.pdf

الوادى المقدس

صورة حقيقية للوادى المقدس حاليا 



أماكـن في القـرآن

الـوادي المقدس


على جاد


كل الأماكن التى ذكرت فى القرآن كانت لها قصة مع نبى من أنبياء الله أو حدث معين اختص الله سبحانه وتعالى به هذا المكان ليكون آية وذكرى للعالمين..

اليوم نحن فى الوادى المقدس طوى نطوف فيه بالكلمات، نتنسم فيه ريح موسى ـ عليه السلام ـ وكيف تجلى الله سبحانه وتعالى له فى هذا المكان المبارك .. ففى ليلة شديدة البرد والظلام، اشتد فيها البرق والرعد وأمطرت السماء خرج موسى ومعه أهله عائدا إلى مصر، وتاه أثناء سيره فوقف حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد، فأمر أهله أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.

"فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى" طه 11

اختلف العلماء والمفسرون فى معنى الوادى المقدس طوى، لكن أغلبهم اتفق على أنه كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، وسمى بذلك لكونه مسلكا للسيل ومنفذا، وأن طوى هو واد فى أصل جبل الطور، وهذا اللفظ اسم لهذه البقعة، قال ابن منظور هو الذى كلم الله عز وجل فيه موسى ـ عليه السلام ـ وهو بمصر بأرض سيناء، ويعبر بالطى عن مضى العمر، يقال طوى الله عمره ومنه "والسماوات مطويات بيمينه " وهذا الوادى بجنوب سيناء بنفس الاسم، والشجرة التى كلم الله منها موسى، تسمى فى المكان نفسه " العليقة " ولا تزال خضراء إلى الآن وهى الآن بداخل دير سانت كاترين.

ذكر القرطبى فى تفسيره أن المقصود بالمقدس : المطهر، والقدس : الطهارة، والأرض المقدسة أي المطهرة، وسميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين، وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض، ولبعض الحيوان كذلك، ولله أن يفضل ما شاء، وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدسا بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين، فقد شاركه في ذلك غيره، و( طوى ) اسم الوادي، عن ابن عباس قال :هو واد عميق مستدير مثل الطوي.

أما الطبرى فى تفسيره فذكر أقوالا منها: "إنك بالواد المقدس طوى" أى بالوادي المبارك، واختلف أهل التأويل في تأويل قوله "طوى"، فقال بعضهم معناه إنك بالوادي المقدس الذى طويته، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى، لكن ابن كثير ذكر قولا لعلى بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: هو اسم للوادي، فعلى هذا يكون عطف بيان، وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه، وقيل لأنه قدس مرتين وطوى له البركة وكررت، والأول أصح كقوله إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى.

بعدما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم ـ كما قال ابن كثير ـ وسار بأهله قاصدا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ومعه زوجته فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية ونزل منزلا بين شعاب وجبال في ظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا، ولا يخرج منه شرر ولا شيء
واتجه نحو النار مسرعا وفى يده اليمنى عصاه، وجسده مبلل من المطر، ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى، فلاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي، لم يكن هناك برد ولا رياح، فقط صمت عظيم ساكن..اقترب موسى من النار، لم يكد يقترب منها حتى نودي: "أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين".

ما حدث لسيدنا موسى عليه السلام من معجزات لم تحدث مع نبى من الأنبياء، فعندما رمى العصا فوجئ بها تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم، راح يتحرك بسرعة، ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه، أحس ببدنه يتزلزل من الخوف، فاستدار فزعا وبدأ يجري، لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله، يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون، عاد ووقف، لم تزل الحية تتحرك، قال الله سبحانه وتعالى لموسى خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى، مد موسى يده للحية وهو يرتعش، لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا، عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، وضع يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر، زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما.

اطمأن موسى عليه السلام فأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين، أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر، وأبدى موسى خوفه من فرعون، وقال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه، توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون، طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء، وأفهم الله موسى أنه هو الغالب، ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه، ثم رجع لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون قاصدا بهم مصر.


نشرت يوم السبت 8 رمضان 1430هـ / 29- 8- 2009 على جاد


قائمة المدونات الإلكترونية