أماكـن فى القـرآن
علي جاد
ذكرت حنين مرة واحدة فى القرآن الكريم فى سورة التوبة .. وحنين هو أحد أودية شبه الجزيرة العربية التى يوجد بغربها، ويقع بين مدينتى مكة والطائف ويبعد عن مكة المكرمة بنحو 24 كيلومترا شرقا، ويعرف اليوم باسم الشرائع، وقد شهد وادى حنين أولى الغزوات الإسلامية بعد فتح مكة، وتعرف بغزوة حنين أو معركة حنين، وكانت أحداثها فى شهر شوال فى السنة الثانية من الهجرة، بين المسلمين والمشركين المتمثلين فى قبيلتى هوازن وثقيف، وسببها هو القضاء على تجمعهما قبل مهاجمتهما المسلمين، وكان الله عز وجل قد وعد رسوله أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجا، وتم الفتح ودانت له العرب بأسرها، فلما تم له الفتح المبين تألبت عليه قلوب هوازن ومن تبعها وكادت للإسلام، فجمعوا لحرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين.
"لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا .."
سورة التوبة آية (25)
يصف القرطبى غزوة حنين بأنها من أهم الغزوات الإسلامية التى أيد فيها الله سبحانه وتعالى نبيه بنصر عظيم من عنده، فقد خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى اثنى عشر ألفا من المسلمين حتى وصل إلى وادى حنين، وهو من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت فى جنبتى الوادى، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد فانهزم جمهور المسلمين، وثبت الرسول عليه الصلاة والسلام، وثبت أبو بكر، وعمر ومن أهل بيته على والعباس، ولم ينهزم الرسول ولا أحد من هؤلاء، وأمر الرسول بجمع المسلمين مرة أخرى ثم أخذ بحفنة من حصيات فرمى بهن وجوه الكفار قائلا " انهزموا ورب محمد " قيل "فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا " وتحقق النصر للمسلمين وكانت هناك الكثير من الغنائم.
لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري من بني نصر بن مالك، وكانت الرياسة في جميع العسكر إليه، وساق مع الكفار أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم وتشتد في القتال عند ذلك شوكتهم، حسب ما ذكره القرطبى فى تفسيره، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل : أربعة آلاف، من هوازن وثقيف، وكان على هوازن مالك بن عوف، وعلى ثقيف كنانة بن عبد، فنزلوا بأوطاس، وبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عينا، فأتاه وأخبره بما شاهد منهم، فعزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قصدهم.
خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اثني عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمى الفتح وهم الطلقاء إلى من انضم إليه من الأعراب من سليم وبني كلاب وعبس وذبيان، كما ذكر القرطبى وابن كثير في تفسيريهما، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد، وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها، فقالوا : يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال عليه السلام :( الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )، فنهض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أتى وادي حنين، وهو من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش الصبح، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، فانهزم جمهور المسلمين ولم يلو أحد على أحد، وثبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثبت معه أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن قتل يومئذ بحنين - وربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس ولم ينهزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أحد من هؤلاء، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بغلة شهباء اسمها دلدل .
لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم الجوزية فى كتابه " مجموع الفتاوى"، الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا هوازن وثقيف، فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد هوازن، وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم، وكان المسلمون قد غرهم نصرهم فاقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وعدتهم وقوة شوكتهم ليظهر أمر الله وتمام إعزازه لرسوله ونصره لدينه.
نشرت يوم الأحد 16 رمضان 1430هـ / 6 -9 - 2009