الخميس، 17 سبتمبر 2009

جهنم



أماكن فى القرآن 

جهنم
على جاد 


مكان كلما ذكر فى القرآن الكريم دعونا الله ألا نكون من أصحابه واستجرنا ولجأنا إلى الله بالدعاء والصلاة أن ينقذنا منه .. لفظه فيه رهبة ونطقه فيه شدة والوعيد به يكفى لمن خاف واتعظ .. جهنم ما هى ؟ وأين مكانها وما صفتها ؟ ولمن أعدت وتجهزت؟ وهل هى نار أم جحيم أم مجموعة متنوعة من ألوان العذاب ؟ أسئلة كثيرة تدور فى ذهن الناس عند تذكرها..


فهى المقر لمن كفر وضل وعاش حياته فى غى، خلقها الله تعالى وجعلها مقرا لأعدائه المخالفين لأمره، وملأها من غضبه وسخطه وأودع فيها أنواعا من العذاب الذي لا يطاق، وحذر عباده من بأسها وشدة عذابها، فبين لهم السبل المنجية منها، فمن خالف وعاند وتمرد واتبع هواه فهى المأوى والمهاد والخلود، لمعصيتهم جهلا منهم بحق ربهم عليهم وجهلا منهم بحقيقة جهنم التي توعدهم الله بها، ذكرت فى القرآن الكريم (77) مرة تقريبا، وكان أول ذكر لها فى سورة البقرة وآخر ذكر لها كان فى سورة البينة.

"وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد".. سورة البقرة الآية (206)

لم أجد وصفا شافيا فى ماهية جهنم إلا بعض الأوصاف التى ذكرت فى القرآن من أحوال أصحابها وكيف يكون عذابهم فيها، وهناك أحاديث ضعيفة وموضوعة كثيرة قيلت فى وصف جهنم كان أشهرها أن جبريل أتى للنبى صلى الله عليه وسلم وأخبره فى حديث طويل عن بعض أوصافها، وعندما تحققت من روايته وجدت أغلب الأئمة وضعوه وضعفوه، وإذا حاولنا تجميع ما قيل فى القرآن عن ألوان العذاب فى جهنم لكان لدينا رصيد كافي فى ماهيتها، لكن لضيق المقام هنا سنكتفى بمعلومات بسيطة عنها، ففى تفسير هذه الآية اختلف المفسرون وأهل العلم فى تأويل من عنى بها، فذكر القرطبى والطبرى فى تفسيريهما أنه كل فاسق ومنافق...

ويعني بذلك جل ثناؤه : وإذا قيل لهذا المنافق الذي نعت نعته لنبيه - عليه الصلاة والسلام - وأخبره أنه يعجبه قوله في الحياة الدنيا : اتق الله وخفه فى إفسادك في أرض الله، وسعيك فيها بما حرم الله عليك من معاصيه، وإهلاكك حرث المسلمين ونسلهم، استكبر ودخلته عزة وحمية بما حرم الله عليه، وتمادى في غيه وضلاله، قال الله جل ثناؤه : فكفاه عقوبة من غيه وضلاله صلي نار جهنم ولبئس المهاد لصاليها، قال صلى الله عليه وسلم: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه " رواه الترمذي، والزقوم هى شجرة فى قعر جهنم يأكل أهل جهنم منها.




هنا يقسم الله سبحانه وتعالى بنفسه بعد إقامة الحجة بأنه يحشرهم من قبورهم إلى الميعاد مع الشياطين " فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا" سورة مريم الآية68، يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية، أي ولنحشرن الشياطين قرناء لهم، قيل يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة، كما قال " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " سورة الصافات الآية (22)، والمعنى أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، فيقرنون كل كافر مع شيطان في سلسلة فإن قلت هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصة، فإن أريد الأناسي على العموم فكيف يستقيم حشرهم مع الشياطين ؟


يقول القرطبى إذا حشر جميع الناس حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا مع الشياطين كما حشروا مع الكفرة، وهنا لا يعزل السعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء، ولم يفرق بينهم في المحشر وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم وأوردوا معهم النار ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله منها وخلصهم، فيزدادوا لذلك غبطة وسرورا إلى سرور ويشمتوا بأعداء الله تعالى وأعدائهم، فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغيظهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم، ومعنى إحضارهم جثيا أى أنهم يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم لا يمشون على أقدامهم...

وذلك أن أهل الموقف وصفوا بالجثو، قال الله تعالى: " وترى كل أمة جاثية " سورة الجاثية الآية (28) يتجاثي أهلها على الركب لما في ذلك من القلق والخوف والترقب أو لما يدهمهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيجثون على ركبهم جثوا، وإن فسر بالعموم فالمعنى أنهم يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنم على أن " جثيا " حال مقدرة كما كانوا في الموقف متجاثين لأنه من توابع الوقوف للحساب، قبل التواصل إلى الثواب والعقاب، وقال الحسن والضحاك جاثية على الركب، أي لا يمكنهم أن يجلسوا جلوسا تاما.

وفى آخر آية ذكرت فيها جهنم كانت فى سورة البينة يقول سبحانه وتعالى :" إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية" سورة البينة الآية (6)، قال ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية إن سبحانه وتعالى يخبر عن مآل الفجار من كفرة أهل الكتاب والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة أنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدين فيها أي ماكثين لا يحولون عنها ولا يزولون، فهم شر الخليقة التي برأها الله وذرأها، وذكر الطبرى أيضا أن الذين كفروا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فجحدوا نبوته، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم ماكثين لابثين فيها أبدا لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها .. اللهم أجرنا منها واشملنا برحمتك وعفوك ورضاك يا أرحم الراحمين.

نشرت بجريدة (السياسة الكويتية) يوم الجمعة 28 رمضان 1430 هـ / 18-9-2009
http://www.al-seyassah.com/PDF/09/SEPT/18/33.pdf


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف:

قائمة المدونات الإلكترونية