الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

أتوبيس الهنا



كل يوم كالعادة استيقظ من نومى بضرب الجزم لألحق بأى ركوبة وسط أمواج من البشر يتنططون فوق العربيات كقرود وجرذان أفلام الكرتون..

وبشق الأنفس والمزاحمة بكتفى والدفع بيدى ورجلى استطعت ركوب الاتوبيس لأقف أمام اتنين قاعدين وهم فى قمة القرف " وأنا طبعا واقف فى الطرقة اللى بين الكراسى " شكلهم موظفين.. وشكلهم طافحينه من العيشة واللى عايشنها .. وشهم بيقول الخناق للبيع ..

تخيلوا ما بيثقوش فى أى خبر بيسمعوه من أى قناة من اللى ماليين فضاء العالم إلا قناة الجزيرة، وكأن الجزيرة هذه ملاك طاهر.. لا تكذب ولا تخون ولا تدعى الصلاح.. مع إنها مصيبة لابسة خيبة وماشية فى وسط العرب بظيطة وظمبليطة ..

بعد تفعيص وتعميص وتفحيص فى وجهى الذى لا يروق له تحدث بلاديتنا عن الجزيرة بحماس.. ملتفتا بجسده كله ناحية الجالس بجواره فنظر إلىَّ الآخر نظرة ريبة.. متعجبا من شكلى ومظهرى .. ربما شك فى أن أكون تبع أمن الدولة أو المباحث، إذ ما الذى حشرنى بينهم وأنا أرتدى بدلة بالشىء الفلانى.. وبرغم ذلك لم يتراجع الرجل عما نوى قوله، ولسان حاله يقول خربانه .. خربانه .. هايسخطوك ياقرد !!!
- تصدق بإيه..
- لا إله إلا الله ..
- ما حد قال كلمة الحق فى اللى بيحصل فى غزة غير قطر وقناتها الجزيرة، كشفوا للعالم سِمْ اليهود وجبروتهم وبطشهم بالغلابة اللى لا معاهم سلاح ولا يحزنون.. غيرشى شوية الحجارة اللى عمَّالين يحدفوهم بيها وصواريخ البمب اللى عمَّالة المقاومة تِحَدِفها عليهم كل شوية، لما جابت الكافية لأهالى غزة وقلبت عليهم اليهود.
- منك لله ياهتلر انت واللى زرع اليهود فى وسطينا، تخيل كدا منطقة الشرق الأوسط من غير اليهود، وتخيل العالم كله من غيرهم.. كانت الدنيا كلها هاتعيش فى سلام وأمان، ولا هايبقى فيه حروب ولا مشاكل ولا عصابات ولا اغتيالات، والدنيا هايبقى لونها وردى.

- وطى صوتك ربنا يهديك.. ماهياش ناقصة!!
وهمس فى أذن الآخر وهو يسرق النظر اتجاهى، محاولا عدم جزب انتباهى لهما.

- أصل اليهود اليومين دول عملوا قانون جديد، ووافقت عليه الأمم " المنتحرة " ..

بيقول: إن أى حد يتعرَّضْ لليهود بالشتِيمة أو بأى لفظ مُشْ على مزاجها هايحاكموه دوليا، كمجرم حرب وهايكون مصيره يا حبل المشنقة زى صدام حسين أو " جوانتاناموه " يقضى عمره هناك يلعب مع الكهربة والكلاب السعرانة، واحنا مش عارفين الأفندى " المتقمع " اللى واقف فوق روسنا ده تبع مين .. كل عيش وربى عيالك .. احنا مش عارفين الضرب هايجيلنا منين!!

- بس بصراحة قناة الجزيرة والمراسلين بتوعها عملوا اللى ما حدش عمله.. دا إحنا اللى هوه احنا بتوع الحضارة والتاريخ ما عندناش قناة زيها مع إننا رواد الإعلام العربى وهلوود الشرق ما حصلناش ربعها، وكل أخبارنا اللى كانت بتتذاع منقولة من قنوات أجنبية.. وكأن الأجانب ما بيكذبوش ولا بيضحكوا علينا، مع إنهم موكلينا البالوظة.

" والله ما أنا عارف يعنى إيه بالوظة.." ؟!

حاولت أن أبحث فى المعاجم وكتب اللغة عن معنى لها فلم أجد، لكن ـ والله أعلم ـ هى حاجة كدا معناها الضحك على الناس وخداعهم بأكاذيب...



الأحد، 15 أغسطس 2010

بريد الجمعة - مهـلا أيها الموت‏!‏




الأستاذ والكاتب الصحفى المبدع/ خيرى رمضان

كل عام وأنتم بخير وصحة وعافية وسعادة وحب.. رمضان كريم
أعاده الله عليكم وعلى الأمة الإسلامية بألف خير وسلام...

هذه حكاية سيدة التقيتها فى مستشفى سوزان مبارك التخصصى للأطفال بالمهندسين.. حكت لى عن حياتها ومأساتها ورأيت ( محمد وسارة ) أثناء عملية الغسيل ـ عافانا الله .. فكتبت عنها.. أتمنى أن تصلح للنشر فى بريدكم العظيم.. بارك الله فيكم وفيه..


خالص تحياتى ... على جاد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مهلا أيها الموت..!!

أنا يا سيدي امرأة تخطت العقد الثالث بأربع سنوات، أنتظر الموت في أي لحظة.. كلما هاجمني الألم أترجاه؛ فقط من أجل أبنائي..

نشأت في أسرة فقيرة تعيش في أحد أحياء القاهرة، وسط أربع بنات وولد وحيد.. كان والدى يعمل «غفيرا» بإحدى الشركات براتب بسيط، تحمل وحده مشقة تربيتنا بعد موت أمي، وبرغم قلة الحيلة وضيق العيش إلا أننا كنا سعداء.. طبق فول بالزيت وبجنيه عيش نأكل ونشبع ونحمد الله، أقصى ما كنت أتمناه في طفولتي وأحلم به هو أن أتعلم وأصبح ذات شأن.. وكنت حريصة على ذلك منذ مراحل دراستي الابتدائية، فتفوقت على زميلاتي، حتى إن أهاليهن كانوا يعايرونهن بي..«بنت الغفير».

سيدي..هل وظيفة «الغفير» عار.. هل الفقر عيب أو سُبة؟! ولماذا ينظر إلينا الناس بخزي واشمئزاز؟! نعم أحببت دراستي لأقول للعالم كله إن الفقر ليس عيبا، لكن كانت الحياة أشد قسوة من الناس، فخرجت من المدرسة لأني لم أستطع دفع المصاريف، وما زلت أشعر بالحزن وغصة في نفسي لفقدي هذا الحلم..

كبر والدي في السن، وأتعبه مرض السكري، فأحالوه على المعاش، ووجدنا أنفسنا في مأزق، وقد أصبحنا على وش زواج، فعمل أخي في ورشة نجارة لدى رجل طيب يعرف ظروفنا، ولأمانة أخي وشهامته كان يعطيه بلا حساب، وبدأت الحياة تبتسم لنا بعد أن شعرنا بحب أخي وحرصه وخوفه علينا، فكان كل ما يأتي به يضعه في يد والدي ونعيش منه.. ولا أخفيك سرا سيدي أننا كنا نحتاج أشياء كثيرة مثل من هن في عمرنا، ولكننا لم نطلب شيئا.

كنا سعداء راضين بما قسمه الله لنا، فالفقراء يا سيدي لا يعنيهم من الحياة إلا لقمة العيش و«هدمة» تستر أجسادهم.. حتى هذه السعادة لم تدم، ففي صباح يوم ذهبت أوقظ أخي ليلحق بعمله، فلم يرد.. تحسسته بيدي وداعبته في وجهه كعادتي، فلم يرد، انقبض قلبي، فهرولت إلى والدي.. صمت مخيف فى أثناء كشف الطبيب.. ناس يملأون البيت.. أحاديث جانبية.. وصراخ.. مات أخي الوحيد بسكتة قلبية وعمره 22 عاما.. كانت الصدمة مفجعة.. مشهد لم يغب عن ذاكرتي حتى الآن كلما ذكرته بكيت، لماذا أخي وفى هذا التوقيت؟! لم يتحمل أبى الصدمة فأصيب بغيبوبة سكري، خرج منها ببتر ساقه اليمنى، ليشقينا ألما وحزنا بنظراته الحزينة وإحساسه بالعجز والانكسار.

سيدي.. ماذا تفعل خمس بنات وأب عاجز منذ وفاة ولده الوحيد لا تفارق لسانه كلمة «لله الأمر من قبل ومن بعد» وكأنه اعتزل الحياة؟ ماذا نفعل وكل ما نملكه من الدنيا معاش لا يكفى شراء الدواء لأبينا المريض، ما كان أمامنا إلا الخروج للبحث عن عمل نقتات منه، فاشتغلت أختي الكبرى بمحل ملابس، والحمد لله.. سارت الحياة.

مرت السنوات.. كل عام تتزوج واحدة من أخواتي حتى بقيت أنا مع أبى، وما إن تقدم لي أول عريس حتى وافق أبي وزوجني وأنا لم أكمل الـ 16 عاما، وكان يتعجل زواجي بشكل غير عادي، وعندما عاتبته على استعجاله لزواجي قال «خلاص يا بنتي عايز أرتاح..»، فسكت عن الكلام بعد أن رأيت في عينيه دمعة يغالبها.. لم يمر أسبوع على زواجي حتى مات أبي، وكأنه كان ينتظر هذه الساعة بالتحديد بعد أن اطمأن علينا.

كان أبى أخر سند لنا فى الحياة، وبموته شعرنا باليتم والخوف من الأيام، وبدأت حياتي مع زوجي وأنجبت منه ولدين وثلاث بنات هم أملي وزرعتي، حرصت على أن أربيهم وأعلمهم وألا أحرمهم مما حُرمت منه.. كبر أبنائي حتى وصل ولدي الأكبر إلى الصف الثاني الإعدادي والبنات في الابتدائي.. كلما نظرت لهم أشعر بالسعادة ويهون كل التعب.. كان زوجي يعمل في النقاشة، وهى مهنة حسب الطلب، وليست دائمة، فكنت أعمل حسابا لأي ظرف، وأدير بيتي بحكمة، لكن زوجي كان مهملا في عمله ويسهر إلى أوقات متأخرة ويأتيني فاقد الوعي وليس في جيبه مليم واحد.

عاتبته بلطف وقلت له إن لدينا أطفالا نريد تربيتهم، ولكنه لم يكن يهتم، رضيت بنصيبي وأخذت أولادي في حضني، بعد أن تركنا زوجي شهورا، ولا أعرف أين ذهب، سألت أصدقاءه وكل من يعرفه، فلم يعرفوا عنه شيئا، فخرجت أعمل في أي شيء؛ أمسح سلم عمارة مقابل جنيه من كل شقة صباحا، وأعمل في مطابخ المطاعم ليلا، ومر عام وأنا على هذه الحال، ونسيت أنى متزوجة، ونسيت زوجي كما نسينا، وكان كل شاغلي هو كيف أربي أولادي.. كنا نقضى يومنا حسب الظروف، وكلما مر يوم بخير حمدنا الله ولا ننتظر الغد.

عذرا سيدي.. فقد أطلت عليكم، فحكايتى قد تكون عبرة لمن لا يقدرون ما فى أيديهم من نعمة المال أو الصحة أو الأولاد، وأردت بها أن أضع بين أيديكم كل ما أحبسه في صدري إن استطاعت الكتابة وصفه؛ لتتخيلوا قسوة ما عانيت منذ طفولتي حتى لحظتي هذه؛ التي لا أثق في أن تمر عليّ مثل خلق الله.. ولست خائفة من الموت بقدر خوفي على أبنائي ولمن أتركهم..

ففي إحدى الليالي صحوت على صراخ ابنتي «سارة» وهى تتألم من وجع في بطنها، وبعد الكشف عليها، طلب الطبيب إجراء أشعة لها، لم أعرف طعم النوم حتى ظهرت النتيجة، وكانت الصدمة التي قلبت حياتي، فلقد أصيبت ابنتي سارة بفشل كلوي في كليتيها، ولابد من إجراء غسيل لها ثلاث مرات في الأسبوع، ظللت ألطم وجهي حتى وقعت أرضا، ماذا أفعل؟ وبدأت رحلة العلاج فكنت أبيع في كل مرة أي شيء في البيت، حتى أستكمل أوراق علاجها على نفقة الدولة أو في مستشفيات التأمين الصحي، حيثُ كانت «سارة» في الصف الثالث الابتدائي.

كل ما كنت أتمناه في كل ليلة أقضيها مع ابنتي سارة هو أن يطلع النهار وهي على قيد الحياة لأحملها على كتفي وأذهب إلى مستشفى خيري وافق على قبولها قبل أن أستكمل أوراق علاجها فى التأمين الصحي.. وفى مرة من مرات الغسيل، ساءت حالتها وأخبرني الطبيب أن الفشل قضى على إحدى كليتيها، وقال لي إنه لابد من استئصالها ونقل «كلية» سليمة لها، وإلا ستصاب بفشل كامل في الاثنتين.. وتموت.

كنت أسمع صوت الطبيب وكأني في كابوس فظيع أريد أن أصحو منه.. حملت ابنتي وذهبت إلى البيت.. وضعتها فى فراشها وخرجت أبكي.. من أين وكيف؟! فإذ بيد تربت على كتفي وصوت أسمعه كالحلم يقول «أنا يا ماما هتبرع بكليتي لسارة أختي» احتضنته واشتد بكائي.. ولدي الأكبر أصبح رجلا وهو لم يكمل عامه الثاني عشر، وبعد ليلة كئيبة عشتها ذهبت بابنتي إلى المستشفى، وقلت للطبيب وجدت المتبرع، ففرح وقال «هاتيه ناخد منه عينة دم ونجري له بعض الفحوصات» فمددت له ذراعي.

نعم سيدي، نقلت كليتي لابنتي.. ولو طلبوا حياتي لأحد أبنائي لقدمتها وأنا سعيدة.. ونجحت العملية وبدأت حالة سارة تستقر، ولأنه لا مورد رزق لهم - بعد الله سبحانه وتعالى- إلا أنا، فقد خرجت لعملي الشاق قبل أن يلتئم جرحي، ولم أخبر ابني الأكبر بما حدث، وكان كلما سألني أقول إن حالتها تحسنت.. خوفي على سارة وانشغالي بمرضها أنساني طفلي «محمد»، الذي لم يكمل عامه الثالث، حتى وجدته يشكو من آلام في بطنه، فقلت: ألم بسيط وسيزول، لكن تكرر الألم فكشفت عليه!!

أصيب محمد بفشل كلوي.. نعم سيدى.. أصبح اثنان من أبنائي مصابين بفشل كلوي يحتاج كل منهما إلى رعاية مستمرة، ما حدث لي قد لا يصدقه عقل، لكن هي الحقيقة المؤلمة التي عانيتها، وما زلت مع أبنائي والمرض وقلة الحيلة والرزق، وأنا أقابل المصائب وحدي دون سند إلا الله - سبحانه.. كان المستشفى الخيري الذي يعالج محمد وسارة رحيما بنا، فاستقبل ابني بعد أن قابلت مدير المستشفى وحكيت له قصتي فوجدته إنسانا طيبا خيِّرا، قال بابتسام رقيق «ما تشليش هم... ربك كريم»، لكن كثرة الحالات التي يستقبلها كل يوم، كانت تستنزف الأجهزة والمستلزمات الطبية، ففي بعض الأحيان لم أكن أجد جهازا خاليا، وأحيانا أخرى لا نجد أدوات تجهيز الغسيل، فكنت أشتريها، ويعلم الله وحده كيف كنت أدبر ثمنها.

سيدي.. سيظن قراء بريدكم أنني بعثت رسالتي هذه لينظر لي أهل الخير بمساعدة مادية أو علاج لـ«سارة ومحمد».. لكني بكل ثقة وصدق ويقين فيما أقول.. كل ما أتمناه أن ينظر الناس إلى هذا المستشفى الخيري وإلى الأطفال المرضى الموجودين فيه، فجميعهم من أبناء الفقراء ويعالجون بالمجان، وفي بعض الأحيان لا تتوافر لهم الإمكانات.

احمدوا الله على نعمة الصحة ورزقه مهما كان قليلا، فمال الدنيا كله لا يساوى لحظة ألم ووجع نراها فى عين طفل مريض.. أى طفل!! أريد ألا ترى أي أم ما رأيته، وما دام هذا المستشفى بخير فسوف تكون «سارة ومحمد» في أمان، فأنا أتمسك بالحياة فقط لأجلهما بعد أن تدهورت صحتي بعد نقل كليتي لابنتي، وكثيرا ما أشعر بآلام تهاجمني من حين لآخر، أخشى أن تؤدي لموتي قبل أن أصل بأبنائي لبر الأمان.. وسأواصل مشواري حتى آخر نفس في صدري.. والله المعين.

بريد الجمعة - مهـلا أيها الموت‏!‏

قائمة المدونات الإلكترونية