أماكـن في القـرآن
تحت الشجرة
على جاد
مكان وقعت عنده أحداث قصة معاهدة للصلح بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكفار قريش .. تحت الشجرة كان الصلح والاتفاق على شروط يلتزم بها الطرفان، أطلق عليها شجرة البيعة وهى بموضع يقال له الحديبية، يبعد عن الحرم المكى قرابة 25 كيلو مترا، وهى المنطقة التى تعرف الآن بالشميس، وهى البوابة التى يحجز عندها غير المسلمين، وقد ظلت شجرة البيعة المذكورة فى الآية قائمة حتى خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ وذات يوم بلغه أن الناس يشدون الرحال إليها قاصدين الصلاة عندها تبركا وتعظيما، فأمر بقطعها لئلا يخرج الناس ببدعتهم هذه عن صحيح الدين، واشتهر موقع الحديبية فى التاريخ الإسلامى بحادث الهدنة الذى عقد بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين مشركى مكة، وذلك فيما عرف بصلح الحديبية، وكان لهذا الصلح ثماره العظيمة التى جعلته من أعظم فتوحات الإسلام.
"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .." سورة الفتح آية (18)
في العام السادس من الهجرة، وتحديدا في شهر ذي الحجة خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المدينة متوجها إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، كما ذكر ابن كثير فى تفسيره لهذه الآية، وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب، وليس معهم من السلاح إلا السيوف، وقد ساقوا معهم الذبائح؛ ليظهروا حسن نيتهم ويعلموا أهل مكة أنهم جاءوا حاجين إلى البيت وزائرين له، ولم يأتوا لحرب أو قتال، فوصل خبر مسير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكة، فإذا بقريش تفور من الغضب والغيظ، فكيف يتجرأ المسلمون على المجيء إليهم، ودخول مكة بهذه السهولة؟! فلا بد من صدهم ومنعهم من دخولها، وتعاهدوا على ألا يدخلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذين معه، وخرجت خيلهم يقودها خالد بن الوليد؛ لمنع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه من دخول مكة.
تحت الشجرة.. مكان أصبح مجلس حكم ومشاورة ومبايعة وتأييدا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، يقول الطبرى فى تفسيره لقوله تعالى: " إذ يبايعونك تحت الشجرة " يعني بيعة أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الله بالحديبية، حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب، وعلى ألا يفروا ولا يولوهم الدبر، تحت الشجرة كانت بيعتهم فيما ذكر، وكان سبب هذه البيعة ما قيل : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قد أرسل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ برسالته إلى قريش، فأبطأ عثمان عليه، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وبينما ركب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه يسير بأمر الله تعالى بركت الناقة التي يركبها الرسول في مكان قريب من مكة يسمى الحديبية، فقال الصحابة: خلأت القصواء ـ اسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ خلأت القصواء .. فقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، لكن حبسها حابس الفيل " في البخاري، فعلم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لا يريد له دخول مكة، ولا الصدام مع قريش في ذلك الوقت، فقرر التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت الحرام.
أحداث الصلح وما دار بين الطرفين ذكرها المفسرون بالتفصيل، وجميعهم لم يخرج عن الآخر إلا ببعض الشرح أو التعليق، يقول ابن كثير فى تفسيره للآية الكريمة: فبعد طول الكلام والمراجعة فيما بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسهيل بن عمرو، حضرت الدواة والصحيفة ودعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلا يكتب الكتاب بينهم ودعا أوس بن خولي يكتب، فاعترض سهيل ألا يكتب إلا أحد الرجلين ابن عمك علي أو عثمان بن عفان، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا أن يكتب، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : لا أعرف الرحمن، اكتب كما نكتب باسمك اللهم، فضاق المسلمون من ذلك وقالوا : هو الرحمن، وقالوا : لا تكتب إلا الرحمن، قال سهيل : إذن لا أقاضيه على شيء، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اكتب باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه رسول الله، فقال سهيل : لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك، أفترغب عن اسمك واسم أبيك محمد بن عبد الله ؟ فضج المسلمون منها ضجة هي أشد من الأولى حتى ارتفعت الأصوات وقام رجال من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون لا نكتب إلا محمد رسول الله.
كان هذا الجدل سببا فى نزول قرآن في سهيل حين رفض أن تبدأ الكتابة باسم الرحمن، قال تعالى : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .. " سورة الإسراء آية (110)، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا محمد بن عبد الله فاكتب، فكتب " باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .." إلى آخر شروط الصلح.
نشرت يوم الثلاثاء 18 رمضان 1430 هـ / 8- 9- 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: