أماكن فى القرآن
مكـة
على جاد
مكان حرم الله فيه أعمالا كثيرة، وجعل له وضعا خاصا دون سائر البلاد، فحرم فيه القتل والصيد وكل أنواع الجرائم التى يرتكبها الإنسان فى غيره، مكة المكرمة وتقع على سفوح جبال"السروات"، وتمثل نقطة التقاء تهامة بالجبال التي تحيط بمكة من جميع الجهات، فمكة المكرمة مجموعة من الأودية المتخللة هذه الجبال وهي أيضا منافذها، خاصة كلما اتجهنا إلى الساحل من الناحية الغربية، وترتفع عن سطح البحر بـ279مترا تقريبا، وجوها حار جاف صيفا بارد ممطر شتاء، وبيوتها كائنة على امتداد الوادي، ويسميه المكيون وادي "إلراهيم"، ولموقع مكة المكرمة أهمية كبرى إذ تمثل منتصف خط القوافل التجارية القديمة التي كانت تزاول نشاطها بين اليمن وبلاد الشام جنوبا وشمالا.
"وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم .." سورة الفتح آية (24)
ذكرت لمكة أسماء كثيرة منها : مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحم وأم القرى والعرش، وسميت بكة لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، وقيل : لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون، هذا ملخص ما جاء فى كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام.
ومكة المكرمة هى بلدة قديمة العهد عرفت قبل مجىء إبراهيم عليه السلام إليها ليرفع قواعد البيت العتيق ـ كما ذكر ابن هشام ـ وعندما وصلها كانت قرية صغيرة تقع في واد غير ذي زرع تحيط بها الجبال من كل جانب، وتتفق جميع الروايات على أن جرهم كانت بمكة في عهد إسماعيل عليه السلام وأنه تزوج من بنات هذه القبيلة، وفي أواخر القرن الثالث الميلادي استولى على مكة جماعة من سكان جنوب الجزيرة العربية وطردوا جرهم منها، لكن جو مكة لم يلائم هؤلاء فغادرت غالبيتهم مكة وبقى فيها قسم منهم، وهم الذين باسم خزاعة، وفي منتصف القرن الخامس الميلادي انتقلت الزعامة لقصي بن كلاب أحد أحفاد إسماعيل بن عدنان وقصي هو الجد الرابع للنبي محمد ـ عليه الصلاة والسلام.
وتعد مكة بأكملها وقفا لا يجوز بيع أرضها أو بيوتها، يقول ابن هشام فى كتابه" زاد المعاد " الجزء الثالث، إن مكة ليست كسائر البلاد، فإن فيها شيئا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى، وهي أنها لا تملك فإنها دار النسك ومتعبد الخلق وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، فهي وقف من الله على العالمين وهم فيها سواء، ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة، ولا إجارة بيوتها، هذا مذهب مجاهد وعطاء، ومالك، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، والإمام أحمد بن حنبل.
وروى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن علقمة بن نضلة قال:" كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن"، وروي أيضا عن عبد الله بن عمر : " من أكل أجور بيوت مكة، فإنما يأكل في بطنه نار جهنم "، كما يحرم سفك الدم بها، وهو الذي يباح في غيرها، ويحرم فيها لكونها حرما، كما أن تحريم عضد الشجر بها، واختلاء خلائها، والتقاط لقطتها، هو أمر مختص بها، وهو مباح في غيرها، إذ الجميع في كلام واحد ونظام واحد وإلا بطلت فائدة التخصيص.
وذكر عن عبد الله بن عمر أنه قال: " لو لقيت فيه قاتل عمر ما ندهته "، وعن ابن عباس، أنه قال: " لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه "، وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، ولم يذكر أن اختلف صحابي أو تابعي على ذلك، وإليه ذهب أبو حنيفة ومن وافقه، والإمام أحمد.
وفى حماية الله عز وجل لمكة وبيتها ذكر ابن هشام فى الجزء الأول من كتابه " السيرة النبوية " أن أبرهة لما تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله وجهز جيشه لهدم البيت، لم يحدث ما أراد، فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك، فضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام فهرول، ووجهوه إلى المشرق فهرول، ووجهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك.
أما سبب نزول هذه الآية فكان لموقف حدث بين المسلمين وقريش، ذكره ابن كثير والطبرى فى تفسيريهما لهذه الآية، فرويا عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم ـ وقيل خمسين ـ وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ ليصيبوا من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا المسلمين بالحجارة والنبل.
قال ابن إسحاق وفي ذلك أنزل الله تعالى هذه الآية، وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ خيلا فأتوه باثني عشر من الكفار فقال لهم: " هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ "، قالوا : لا، فأرسلهم وأنزل الله تعالى في ذلك :" وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ".
نشرت يوم الجمعة 21 رمضان 1430 هـ /11 -9-2009
نشرت يوم الجمعة 21 رمضان 1430 هـ /11 -9-2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: