أماكن فى القرآن
الصفا والمروة
على جاد
اليوم نتحدث عن مكانين ارتبط كل منهم بالآخر للدلالة على مكان واحد مقدس أصبح من مناسك الحج .. فالصفا هو مكان مرتفع عن الأرض؛ عبارة عن قطعة من جبل يسمى "أبي قبيس" ويقع في الجهة الجنوبية من الحرم، أما المروة فهو مرتفع مثل الصفا ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من الحرم، والمسعى هو تلك المسافة بين المرتفعين (الصفا والمروة) وطوله 405 أمتار تقريبا، وقديما كان الزحف على عرض المسعى بالبناء يتم دون وازع ديني ولا رقيب، حتى انتبه القائمون على رعاية مشاعر الحج لذلك، فقاموا بتوسعة تمت فيها إزالة البيوت التى كانت تعوق الحجاج فى مسعاهم، لما فيه خير وراحة المؤمنين في تأديتهم للسعي بين الصفا والمروة وتسهيل سيرهم وحركتهم في هذه المنطقة التى تشهد زحاما شديدا كل عام.
" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما .." سورة البقرة آية (158)
الصفا مشتق من الصفو، وهو الخالص، وقيل :هو الحجر الذي لا يخالطه غيره من طين أو تراب يتصل به، والمروة : هي الحجارة الصغار التي فيها لين، وقيل : الصغار المرهفة الأطراف، هذا ملخص ما ذكره الأندلسى فى " التفسير الكبير"، وقال إن الصفا والمروة في الآية : علمان لجبلين معروفين، وقد نقلوا أن قوما قالوا : تم تذكير الصفا لأن آدم وقف عليه، وتأنيث المروة لأن حواء وقفت عليها، وقيل كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث، وقدم المذكر .
وفى سبب نزول هذه الآية وتفسيرها ذكر القرطبي في تفسيره أن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كله، وكانت بينهما آلهة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الطواف بينهما فنزلت هذه الآية، وقال الشعبي : كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة وكانوا يستلمونهما، فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية، وذكر محمد بن إسحاق في كتاب "السيرة" أن إسافا ونائلة كانا بشرين، زنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا ثم حولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة : وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم لمفضى السيول من إساف ونائل.
وفى إشارة لأهمية السعى بين الصفا والمروة ذكر الألبانى فى كتابه " مناسك الحج والعمرة " موقفا لعروة بن الزبير حين قال ذات يوم للسيدة عائشة : " ما أرى إلا أن الرجل إذا حج وما طاف ولا سعى بين الصفا والمروة إلا أن حجه صحيح، قالت : ولم ذلك ؟ فتلى ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فقالت له السيدة عائشة : لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية : ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما )، يقول الألبانى إن السيدة عائشة ـ رضى الله ـ عنها قالت ما خلاصته أن هذه الآية نزلت بعد ما آمن الصحابة واسلموا وعرفوا الإسلام، فصاروا يبتعدون عن جاهليتهم السابقة، حيث كانوا قبل الإسلام إذا جاءوا عند الكعبة وطافوا بين الصفا والمروة، كانوا يهلون لطاغوت من طواغيتهم هناك، ولصنم من أصنامهم، فلما هداهم الله تبارك وتعالى بالتوحيد والإسلام ترفعوا أن يضلوا، وأن يلبوا بالتلبية عند الكعبة وبين الصفا والمروة، لأنهم كانوا يعبدون هناك ذلك الصنم، فوجدوا أن من المناسب لتوحيدهم وإيمانهم بالله ألا يعودوا فيطوفوا فى المكان الذى كانوا يهلون ويلبون فيه باسم الطاغوت سابقا، فكانوا يتخوفون، وكان المسلمون يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى " إن الصفا والمروة .. "، لرفع الحرج الذى صار فى نفوسهم، فالطواف أمر من الله ولا حرج عليكم أن تطوفوا، ما دام أنكم كفرتم بهذا الصنم وآمنتم بالله وحده لا شريك له.
فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله أي مما شرع الله تعالى لإبراهيم في مناسك الحج ـ كما وضح ذلك من كلام المفسرين ـ وأصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لما نفد ماؤهما وزادهما، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك ونفد ما عندهما قامت تطلب الغوث من الله عز وجل، فلم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله عز وجل حتى كشف الله كربتها وآنس غربتها وفرج شدتها وأنبع لها زمزم التي ماؤها " طعام طعم وشفاء سقم "، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة كما فعل بهاجر عليها السلام .
نشرت يوم السبت 22 رمضان 1430 هـ / 12-9-2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: