السبت، 10 يناير 2009

القُرّاضة

دموعك نار بتحرق قلوبنا
ابكى يمكن الحجارة تلين
عمرك يا ضى العين ما هاتنسى المشهد
وتقضى باقى العمر حزين

رجل بسيط لم يتعلم لا القراءة ولا الكتابة، لكن ما تعلمه من الحياة، ربما يكون أوقع وأبلغ مما تعلمه المتعلمون من أصحاب الشهادات العليا واصحاب المقام الرفيع فى مختلف مجالات حياتنا ....


الرجل بكل بساطة وعفوية رد على سلام صديق له قائلا :


- الحمدلله .. بخير بس ربنا يبعد عنّا القُرّاضة

اسغرب الآخر من رده وفكر مليا فيما يقصده الرجل ..


- القُرّاضة ..!!
- مش عارف القُرّاضة إللى عمّاله تاكل فينا واحنا مش داريانين .. ادعى بس انها ما تخشش علينا بعد ما تخلص على إخواتنا إللى عمَّالين يحدفوها بالطوب ..


وبدأت أفهم ما يقصد الرجل .. لكن بلدياتنا ما زال يهرش فى قفاه ..
ابتسم الرجل ابتسامة لا يمكن وصفها، ربما تكون ابتسامة خوف أو حزن أوسخرية أو ألم أو كوكتيلا من الأحزان والأشجان ...

- اليهود هجموا على غزة ياكلوا فى أهلها زى القُرّاضة بالظبط .. ما بيرحموش لا عيل ولا نسوان ولا كبار فى السن .. ما بيخلوش .. شفت القُرّاضة لما بتمسك فى حاجة .. أهم اليهود زيها بالتمام .. ناويين ما يطلعوا من غزة إلا ومخلصين على إللى فيها .. وياعَالِمْ بعد كده هاتروح على فين ..
أنا سمعت إنهم عاوزين منطقة غزة منزوعة البشر .. زى كده اللبن بتاع البندر منزوع الدسم .

وسِمعتْ إنهم عايزين يُطرِدوهمْ على سِينَا علشان يعمَّرُوهَا ويُقْعدوا فيها ..
أصلْ اليهود ملاعين، قالوا بَدَّلْ ما سِينَا فاضية ومُشْ لاقية اللى يعمرها نِنْقِّلْ بتوع غزة هناك .. ويبقى كده ضربوا غُرابين بطلقة واحدة - المثل الدارج والمعروف هو عصفورين وبحجر وليس طلقة، ولكنى فهمت من طريقة الرجل أنه يسخر، فبَدَّلَ العصفورين بغرابين والحجر بالطلقة - وبكده يَخْلَّصوا من غزة ويمهدوا لاحتلال سِينَا مِنْ تانى بحِجِةْ القضاء على المقاومة ..


الرجل الآخر يُنْصِتْ إلى صديقه باهتمام يشوبه الخوف المخلوط بالدهشة والرعب .. وفجأة وجدته يُلِمْلِمْ جلبابه مُتَلَفِتًا يُمْنَة ويُسْرَة كأنه يخشى شيئا أو يترقب دخول أسد عليه .. ثم اقترب من أذن الآخر هامسا فيها ..


- عَلِىَّ النِعْمَّة انت رَاجِلْ طَيِبْ .. انت مِصَّدِقْ إنْ الإسرائيليين مُشْ عارفين مكان المقاومة، دا يا ابنى خُرمْ الِإبْرَة فى غزة عارفينه وعارفين مين صاحب الإبرة ومين اللى بيقعد في الخُرمْ .. دى حِجَّة اتحَجِجِوا بِيهَا علشان يطَفِشُّوا الناس اللى فيها، وفرصة والعالم مَلْهِى فى المجاعة اللى داخلة علينا، وفى بوش المضروب بالجزمة، وفى أعياد الميلاد والسنة الجديدة اللى بشايرها بَانتْ قَبِلْ مَّا تِبْدَأْ، واللى غَطَى وِوَطَى فوز باراك بِتَاع أمريكا ..
عَلْىَّ النِعمَّة أنا خايف يطلّعْ ابن عَمْ إيهود باراك بِتَاع إسرائيل .. وساعتها تُبْقَى كِمْلِتْ وقول على العرب السلام .. سلام إيه ؟!
قول فناء .. يارب استر وارحم عبيدك ...

الآخر يُنَكِسْ رأسه حزنًا ويأسًا وألمًا وعجزًا .. يتحدث بصوت واهن ونبرة تُنْبِىء بثورة من البكاء وفيض مِنْ الدموع ...


- يا أخى إلاَّ ما حَدْ دَخَلْ يحوش مِنْ العرب .. الكل قال وأنا مالى ..
وكأن الناس إللى عمّالة تتدبح كل يوم دى مُشْ مِنْ لَّحمِنَا ودَمِنَا .. طَبَّقنَا المثل اللى بيقول :" تولع ما دام بعيد عنى .. "مع إن اللى قال المثل ده النار حصلته وولِعْ ..
أنا نفسى يا أخى تبقالنا كلمة وهيبة والكل يعمل لنا حساب .. علشان لما حد يسمعنا يحترمنا ويعرف إن لنا كرامة ونقدر نعمل، بدل ما احنا عاملين زى المِعِيِزْ اللى سارح بيها الديب .. يعنى يا هايكلها يا هايكلها .. مَفِيشْ خيار تَالتْ، ولو فيه يبقى بارضو هايكلها ..!!

وتحدث الرجلان بكلام لا أستطيع كتابته .. واصفين الوضع فى غزة بأفظع الألفاظ والشتائم لاعِنِين كل مَنْ بيده شىء يُقدِمَهُ ولَمْ يفعل و يتقاعص عن نصرة غزة.


قُمت منسحبا من بين الرجلين قبل أن يوجهوا لى أى كلام .. ليس خوفا من شىء، لكن لأنى لو تكلمت سأصرخ وأولول، وربما أشد فى شعرى وأخبط فى اللى جنبى واقول اللى ما اتقلشى .. اللى بيحصل فى غزة كتير .. كتير .. كتير
كتييييير ؟!
.................................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف:

قائمة المدونات الإلكترونية