أماكـن في القـرآن
ســَـــــبَأ
ســَـــــبَأ
على جاد
ذكرت سبأ فى القرآن الكريم ولها سورة باسمها، وذلك لكثرة القصص عنها، كانت أشهرها قصة بلقيس مع سيدنا سليمان ـ عليه السلام ـ وقصة السد العظيم وسيل العرم، وهى مملكة قديمة قامت فى الألفية الثانية قبل الميلاد فيما يعرف الآن بالحبشة وإريتريا واليمن، امتدت من شواطئ البحر الأحمر والحبشة ، وضمت جنوب جزيرة العرب وكانت عاصمتها مدينة مأرب، وهى اليمن فى أيامنا هذه، واستمرت حتى استيلاء الدولة الحميرية عليها فى أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، بدأت المملكة بالازدهار فى القرن الثامن ق.م، واشتهرت بغناها وقد تاجر أهلها بالعطور والدرر والبخور، وذكر انتاجها للعطور فى عدة مصادر مثل العهد القديم والإلياذة.
"لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" سبأ 15
تحدث ابن كثير فى تفسيره عن سبأ ذاكرا فضل الله على أهل هذه المملكة، فيقول كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه ـ الصلاة والسلام ـ من جملتهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، بعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد.
ابن عباس يقول إن رجلا سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبأ ما هو .. أرجل أم امرأة أم أرض ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "بل هو رجل ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة وبالشام أربعة، فأما اليمانيون فهم: مذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير، وأما الشامية فهم: لخم وجذام وعاملة وغسان"، قدِم رجل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام .. أفأقاتلهم ؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم : "ما أمرت فيهم بشيء بعد" فأنزلت هذه الآية " لقد كان لسبإ في مسكنهم آية ... ".
جاء فى تفسير القرطبى أن عبد الرحمن بن زيد قال : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قط ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غيرها من الهوام، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب ونظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب، وقيل : إن الآية هي الجنتان، كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها، وروي أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : "نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين"، وعلى الآخر مكتوب : "نحن بنينا صرواح، مقيل ومراح"، فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله، وقيل إنه لم يرد جنتين اثنين، بل أراد من الجنتين يمنة ويسرة، أي كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار، تستتر الناس بظلالها . " كلوا من رزق ربكم " أي قيل لهم كلوا، أي قالت الرسل لهم قد أباح الله تعالى لكم ذلك، أي أباح لكم هذه النعم فاشكروه بالطاعة.
وفسر القرطبى معنى كلمة "آية" أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر .
ويؤكد الباحثون أن دولة سبأ عرفت مبدأ الشورى والتشاور منذ تأسيسها بزعامة سبأ الأكبر بن يشجب، وذلك ما أكده القرآن الكريم في قصة الملكة بلقيس " قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون" إلى آخر ما جاء في الآية التي تحكي القصة، حينما أرسل الملك سليمان إلى بلقيس يدعوها وقومها إلى الإسلام، ولكن النظام الديمقراطي الذي كان مجلس "الاقيال الثمانين" أهم مؤسساته لم يبدأ إلا في عهد الرايش الثاني وهو "باران ذو رياش بن سدد بن قيس بن حيقي بن حمير بن سبأ الأصغر" وقد تولى عرش سبأ عام 0321 ق.م، وباسمه سمي معبد باران في مأرب، والى عهده يعود في الغالب تشييد البنيان السبئي المشهور بمحرم بلقيس، والذي يضم مبنى وقاعة مجلس "الاقيال الثمانين".
أما التاريخ عندما تحدث عن سبأ فذكر ما كانت تتمتع به من قوة وريادة فى ذلك الوقت، فكان الجيش السبئى من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتدادا توسعيا جيدا، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين، وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق فى القارة الإفريقية، وفى عام 24 قبل الميلاد وفى أثناء إحدى الحملات على المغرب هزم الجيش السبئى جيش ماركوس إيليوس الرومانى الذى كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية وكانت أعظم قوة فى ذلك الزمن، وكانت سبأ بلادا معتدلة سياسيا، إلا أنها ما كانت لتتأخر فى استخدام القوة عند الضرورة، لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من القوى العظمى، كما ذكر القرآن الكريم جيش سبأ القوى، من خلال كلام قواد الجيش السبئى مع ملكتهم كما ورد فى سورة النمل " قالوا نحن أولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين " آية 33.
نشرت بجريدة " السياسة " الكويتية 1 رمضان 1430 هـ -2009 /22 / 8 .......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول وعبر .. ما تخافشى السكات هو اللى يخوف: