الثلاثاء، 20 يناير 2009

اتوبيس الهنا


كل يوم كالعادة استيقظ من نومى بضرب الجزم لألحق بأى ركوبة وسط أمواج من البشر يتنططون فوق العربيات كقرود وجرزان أفلام الكرتون.. وبشق الأنفس والمزاحمة بكتفى والدفع بيدى وبرجلى استطعت ركوب الاتوبيس لأقف أمام اتنين قاعدين وهم فى قمة القرف " وأنا طبعا واقف فى الطرقة اللى بين الكراسى "
شكلهم موظفين.. وشكلهم طافحينه من العيشة واللى عايشنها .. وشهم بيقول الخناق للبيع ..
نفسهم يتخانقوا مع أى حد وخلاص، دار بينهم حوار غريب الشكل .. تخيلوا انتماءهم الكامل لقناة الجزيرة، ما بيثقوش فى أى خبر بيسمعوه من أى قناة من اللى ماليين فضاء العالم، وكأن الجزيرة هذه ملاك طاهر.. لا تكذب ولا تخون ولا تدعى الصلاح.. مع إنها مصيبة لابسة خيبة وماشية فى وسط العرب بظيطة وظمبليطة وعامله فيها خايفة على مصلحة العرب ..

وتعالوا نرجع لورا شوية.. مش كتير، منين طلعت الطيارات اللى ضربت إخونا فى العراق سنة 2003 وقبل كدا ؟!
اقولك أنا .. من قاعدة " العيديد " و " السيلية " بقطر الشقيق .. ركِزوا شوية والنبى على كلمة " الشقيق " .. يعنى أختنا وبنت عمنا ومن لحمنا ودمنا، ومن المفروض اللى يهمنا يهمها واللى يبصلنا بعين تبصله بتنين .. تربينا على كدا، وعلمونا أهالينا إن" اللى يفوت أخوه ويعيش لوحدة يستاهل كل اللى يجراله"..
وعلى رأى المثل " ما يشيل همك إلا اللى من دمك ".. و تعالوا نشوف بلاديتنا اتكلموا عن الجزيرة إزاى ..
التفت الرجل بجسده كله ناحية الجالس بجواره فوقعت عينه علىَّ .. نظر إلىَّ نظرة ريبة متعجبا من شكلى ومظهرى .. ربما شك فى أن أكون تبع أمن الدولة أو المباحث، إذ ما الذى حشرنى بينهم وأنا أرتدى بدلة بالشىء الفلانى..
وبرغم ذلك لم يتراجع الرجل عما نوى قوله، ولسان حاله يقول خربان .. خربانه .. هايسخطوك ياقرد !!!

-
تصدق بإيه..

- لا إله إلا الله .. ما حد قال كلمة الحق فى اللى بيحصل فى غزة غير قطر وقناتها الجزيرة، كشفوا للعالم سِمْ اليهود وجبروتهم وبطشهم بالغلابة اللى لا معاهم سلاح ولا يحزنون.. غيرشى شوية الحجارة اللى عمَّالين يحدفوهم بيها وصواريخ البمب اللى عمَّالة المقاومة تِحَدِفها عليهم كل شوية، لما جابت الكافية لأهالى غزة وقلبت عليهم اليهود.


- منك لله ياهتلر انت واللى زرع اليهود فى وسطينا، تخيل كدا منطقة الشرق الأوسط من غير اليهود، وتخيل العالم كله من غيرهم.. كانت الدنيا كلها هاتعيش فى سلام وأمان، ولا هايبقى فيه حروب ولا مشاكل ولا عصابات ولا اغتيالات، والدنيا هايبقى لونها وردى.


- وطى صوتك ربنا يهديك.. ما هياش ناقصة

وهمس فى أذن الآخر وهو يسرق النظر اتجاهى، محاولا عدم جزب انتباهى لهما.


- أصل اليهود اليومين دول عملوا قانون جديد، ووافقت عليه الأمم " المنتحرة " ..

بيقول: إن أى حد يتعرَّضْ لليهود بالشتِيمة أو بأى لفظ مُشْ على مزاجها هايحاكموه دوليا، كمجرم حرب وهايكون مصيره يا حبل المشنقة زى صدام حسين أو " جوانتاناموه " يقضى عمره هناك يلعب مع الكهربة والكلاب السعرانة، واحنا مش عارفين الأفندى " المتقمع " اللى واقف فوق روسنا ده تبع مين .. كل عيش وربى عيالك .. احنا مش عارفين الضرب هايجيلنا منين!!

- بس بصراحة قناة الجزيرة والمراسلين بتوعها عملوا اللى ما حدش عمله.. دا إحنا اللى هوه احنا بتوع الحضارة والتاريخ ما عندناش قناة زيها مع إننا رواد الإعلام العربى وهلوود الشرق ما حصلناش ربعها، وكل أخبارنا اللى كانت بتتذاع منقولة من قنوات أجنبية.. وكأن الأجانب ما بيكذبوش ولا بيضحكوا علينا، مع إنهم موكلينا البالوظة.
" والله ما أنا عارف يعنى إيه بالوظة.."
حاولت أن أبحث فى المعاجم وكتب اللغة عن معنى لها فلم أجد، لكن ـ والله أعلم ـ هى حاجة كدا معناها الضحك على الناس وخداعهم بأكاذيب...

الأربعاء، 14 يناير 2009

غريق في العاصمة

قصة قصيرة



« إوعاك تفتكر إن الناس في مصر ها يقابلوك بالورد، وهتلاقى كرسي ومكتب، ويقولولك اتفضل ياباشا، يا بني البلد مليانة شهادات وماهياش ناقصة، اقعد ربنا يهديك، بلاش وجع قلب ».

مادمت أسعى وأسير فى الأرض، فأنا فى طريقي إلى المستقبل، فالأشياء المستحيلة تظل مستحيلة إذا لم نخضها ونحاول معرفتها..
ـ « هادعيلك فى كل صلاة، وهاطلب من الله يرزقك ويرعاك، ويحبب فيك خلقه منين ما تروح، ويوقفلك ولاد الحلال، بس إياك تنسى أمك وتاخدك الغربة ».
كلمات يرددها صدى الماضي ورجع السنين كلما ألمت به ضائقة، يتذكر دعاء أمه، ولوم صديقه .. الحياة صعبة بل مستحيلة وسط بشر مثل الآلات، نزعت من صدورهم القلوب وحَلَّ مكانها الصخر والحنضل .. بشر لا يعرفون الرحمة..
«آه يا أمى..!! شفت كتير والعمر بيجرى ولا فايدة..»

ـ الحياة فرص فإذا أتتك الفرصة فتشبث بها ولا تدعها تضيع منك فتندم العمر كله، كُنْ صبورا ولا تستعجل الأقدار؛ فكل شيء على وجه البسيطة بمقدار، واعلم أن حيلة من لا حيلة له.. الصبر.
ـ خمس سنين بتجرى فى بلاد الناس وما عملتش حاجة، نفسي أفرح بيك قبل ما أموت، نفسى أشوف عيالك وأشوفك سعيد، عمرى ما خفت على حد من عيالى زى ما خفت عليك، فوت مصر وتعالى بقى يا ابنى، كفياك بهدلة ومرمطة.. أنا عارفاك دماغك ناشفة وما هاترجعش عن اللي فى دماغك.. أقولك إيه؟! ربنا يدينى عمر وصحة وأشوفك وصلت للى أنت عايزه وعايش سعيد.

الذكرى الجميلة تقتحم حاضره التعيس، وجه أمه المحاط بالطرحة البيضاء وهى تتمتم بالدعاء والتسابيح عقب كل صلاة، وصوت والده الحنون وهو ينصحه ويحذره من الدنيا والناس،وجلسة العصارى مع أصحابه على شط الترعة وهم يروون الحكايات ويأكلون الفول الأخضر والطماطم من أرض الحاج عبده، إحساس مؤلم ينتابه، وذنب كبير يتمثل فى تركه لأهله وبلدته وجيرانه وأصحابه، يدفع ثمنه الآن من عمره ووحدته وعيشته بين الأغراب وتجاهل الناس له وظلمهم، لازم تدفع عمرك ودم قلبك لتحصل على عمل، لازم تتعلم الكذب والنفاق، لازم تكون بمائة وجه لكي تستطيع العيش، وفوق هذا كله لابد من الواسطة «والضهر»، وبما إنك لا تملك شيئا من هذا، فلا يمكنك أن تعترض أو تدفع عنك ظلما، وما عليك إلا أن ترضى بالواقع وإلا....!!
ما الفرق بيني وبين الغرقى على شواطئ أوروبا؟!
كلانا يبحث عن نفسه ..عن آدميته، عن كينونته المفقودة بين طواحين الفساد ورءوس الأموال والنفوذ الطاغي، كلانا يلاطم الأمواج، لا فرق بين أمواج البحر القاتلة وأمواج الظلم المستشري .. المحصلة واحدة..!
كلانا هرب من الفقر .. بحثا عن أمل متراقص فى مخيلة متفائلة بأن « الدنيا حلوة » وستضحك لنا الأيام..!!

كلانا ترك الأهل والخلان والناس الطيبين، ليلقى بنفسه بين بشر فاقد للضمير .. للوعي .. للإحساس، فاقد لكل معنى جميل فى الحياة .. كلانا مات بطريقته التي سعى إليها .. غرقا كان أو ذلا وهوانا، لم يعد الحلم الجميل الذي راودك فى الصغر يأتيك، لم يعد الأمل المرسوم فوق جبينك يرتسم، لم يعد يؤرقك المستقبل ..!!
خمد كل شيء، إما فى بحر مظلم أو وسط بشر يسرقون حقك ويرقصون فوق أشلاء الحلم المتحطم .. لتعيش حياة ليس فيها حياة، غريق فى البحر وغريق فى العاصمة، وما بين الاثنين تقف نداهة تتشح السواد، تصرخ أحيانا وتندب
أحيانا..!!



نشرت بجريدة الأهرام الطبعة العربية
الأربعاء 12 ديسمبر 2007

الحساب


تسير في نفس الطريق.. تدخل نفس المكان.. تجلس إلى نفس المنضدة.. يأتي نفس الجارسون.. يبتسم بلطف وينحني لتحيتك..

ـ تحت أمرك يا فندم

تنظر في ساعتك.. تتظاهر بأنك تنتظرها، وتطلب نفس العصير الذي تحبه هي .. تنظر إلى الكرسي المقابل لك الذي تشعر فيه لأول مرة أنه جماد.. تتجسد أمامك بوجهها الضحوك السمح، وعينيها الناعسة وفمها المرسوم وثغرها البسّام وخصلات الشعر المتدلية على جانبي الوجه وأعلى الجبهة.. ترتاح نفسك للذكرى .. تشعر بالنشوة وإحساس بالوحدة يجتاح كيانك.. يطوف بقلبك في المكان، عبيرها الزكي الرائحة يشغل الفراغ الذي بينك وبين الكرسي .. تمتد يدك بهدوء على المنضدة .. يضع الجارسون العصير فتنتبه ويتملكك الخجل .. ترتبك .. يتغير لون وجهك .. تضطرب ملامحك .. تبتسم ..

ـ شكرا
..

يبتسم الجارسون ابتسامة ذات معنى .. ويهرب طيفها من بين دوائر دوامة عقلك المزدحم بالذكريات لتجد نفسك وحيدا غريبا.. يضيق بك الفراغ الفسيح ويضيق صدرك، وتتناثر الأحزان من حولك ويقتلك الندم .. يعصف بك المكان رغم سكون الهواء .. تجدب بك الحديقة رغم كثرة الورود والأزهار .. تتلفت يمينا ويسارا.. تدور بعينيك في المكان .. تطأطئ رأسك بحسرة ..

- ما فائدة الحب ولما ذا نحب ؟!
- عندما أنتهي من دراستي سأعمل في أي شىء وأتقدم لخطبتك

- تنتهي من دراستك !! ثم تشتغل .. ثم تتقدم لخطبتي .. ثم .. ثم .. كم من العمر سيمر حتى تحقق هذا ؟! سنة.. سنتان.. ثلاث.. خمس.. عشر، نحن نعيش أحلاما وردية نرسمها بخيالنا وطموحنا ومستقبلنا المجهول، نعلق الآمال والأمنيات على مصير متأرجح في زمان تلاشت فيه كل الطموحات، وأقدار تلهو بنا كريشة في مهب الريح .. لن نكون لبعض .. انظر إلى ساعتك التي تزين بها معصمك، من الذي اشتراها؟! لقميصك المستورد وبنطالك الشيك، وهذا الحذاء الإيطالي الفخم.. من الذي دفع ثمن كل هذا؟!

يشعر بالخزي.. ينظر في الأ رض يتمنى أن تنشق وتبلعه ليهرب من الإجابة..
- والدك.. أهو الذي سيزوجك ؟! أهو الذي سيدفع إيجار الشقة .. دا إذا وجدناها من أصله ؟! أهو الذي سيعطيني مصرف البيت ؟! أهو الذي سيعالجني إذا مرضت ؟!
يصرخ في وجهها مشوحا بيده ..
- كفى .. كفى
تهدأ ثورتها .. تنظر في الأفق البعيد كطير يشتاق للطيران في الفضاء الفسيح، بعيدا عن قيود الحياة، ويسري الصمت بينهما في تسلل، ليغلف المكان بالسكون .

قامت من جلستها حتى استبان وقوفها، وأنت مازلت جالسا في ذهول لا تصدق ما يحدث .. ترفع عينيك إليها.. تتأملها .. تحجب دمعا يتموج فيهما، يترقرق في مآقيهما .. نظراتك تتوسل لها .. تترجاها ألا تتركك، أن تبقى بجانبك .. كل هذا يجول بخاطرك .. تنطقه عيناك، لكن يعجز لسانك عن النطق به، فأراحتك من هذه النظرات ..

- من لا يستطيع أن يتوج حبه بالزواج فلا يوجع قلبه بنار الفراق ..

وتركتك ممتقع اللون .. مدمع العينين .. يحاوطك الفشل .. يوجعك الفراق .. يلسعك الألم، وتدور بك الدنيا، وشرعت تهرول في مشيتها المرتبكة وأوصالها المتخبطة.. تحاول الخروج بأقصى سرعة حتى لا ينثني عزمها عما نوت .. رعشة تسري في جسدها .. خطواتها ثقيلة تجر قدميها الملتصقتين بالأرض .. بحزر شديد نظرت لتجدك منكمشا في الكرسي .. منزويا في المنضدة، تحتضن زراعيك بخوف مطأطأ رأسك عليهما ..
شيء دافئ ينساب على خديها .. ضباب يكسو الطريق أمامها وسحب من الدموع تتابع في غيمة عينيها، وضعت ثقلها على قدميها بعناد وخرجت .. يأتي الجرسون يرفع كوب العصير .. تنتبه لتصحو على ما تبقى من الحب .. الطريق .. المكان .. المنضدة .. الجارسون .. تُخرٍج حافظة نقودك التي أهدتها لك في عيد ميلادك الأخير .. تتحسسها بيديك المرتعشتين .. يئن قلبك .. يقطر دما .. تحن جوارحك، وتشعر بالراحة بوجودك في هذا المكان .. صوت يأتيك من بعيد .. تلتفت .. الجارسون يبتسم :

ـ « الحســــــــــــــاب .. » !!

دعاء


بسم الله الرحمن الرحيم

إذا ضاقت بك الدنيا فقل يا الله..

إذا ظلمك الناس وتخلى عنك الأهل والأصحاب فقل يا الله ..
إذا جاءتك الدنيا بخيرها وحلوها ومرها فقل يا الله..
إذا تاهت مِنكَّ الطرق وسِرْتَّ في الدروب بلا مقصد فقل يا الله ..
إذا ضعف البصر ووهن العزمْ وتسلل العمر منك
ووجدت الشيب دب وريح العجز والشيخوخة هَبْ فقل يا الله ..
إذا ذهب الأحباب والأصحاب، وأغلقت الوحدة عليك الباب
ووجدت نفسك وحيدا حزينا، فقل يا الله..
إذا حُرِمْتَ المال أو العيال أو الاثنين معا فقل يا الله ..
إذا أُصِبْتَ بالإعياء وحَلَّ بك الداء ولم تجد المعالج أوالدواء فقل يا الله ..
إذا ارتعشت اليد واهتَّز القَدْ وناءت بحمل جسدك الأقدام فقل يا الله ..
إذا ضاق صدرك ونهشك الملل وصرت بين الناس في حلٍ ورحال فقل يا الله..
إذا أنكر الناس معروفك وقالوا عنك ما ليس فيك وبالأكاذيب وصموك فقل يا الله..
إذا ظُلِمْتَّ وعجزت عن الصد أو الرد وقِلّة حيلتك فقل يا الله..
إذا جاءك الموت بغتة فاجعل آخر نبضة في قلبك يا الله..

... فمن بيده مقاليد الأمور وتصريف الأقدار غير الله ..
من بيده الحياة والموت غير الله ..
يا الله .. يا الله .. يا الله ...
يسر لنا الحياة في الدنيا واغفر لنا فى الآخرة ..
ولا تأخذنا بذنوبنا.. والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير ...
يا رب ... يا رب ... يا رب
آمين .. آمين
آمين


البرواز الذهبى

قصة قصيرة
نُشِرت بجريدة الأهرام المسائى
فى 27/3/2007
سوف تجلس العمر كله هكذا .. لقد أدمنت القرفصاء كالمصطلى بنهم فى ليلة برد قارس يلعب فيه السقيع دوره ليبدد دفء الأجساد إلى برد مفرط .. تضع ذقنك المدببة على رُكْبَتَيك .. تشعر بالراحة الجسدية لهذا الوضع، لكن أين راحة العقل وأنت تجلس تتألم وأنت تتأمل ذلك البرواز المعلق على الحائط المقابل لك .. لقد تعودت على هذه الأريكة المقابلة للبرواز، حتى أصبحت جزءا منك .. تتأمل الكلمات المكتوبة بداخله .. تسخر منها .. تمقتها .. كلمات رنانة ذات وقع فخم على أذن السامع لها .. تشعر صاحبها بالفخر .. الفخر فقط، لكن أين الطموح .. الابتكار .. المستقبل .. العمل .. الوظيفة !! لا شىء ، ينظر .. يرمق .. يدقق .. يغمض عينيه .. يهز رأسه بعصبية ثم ينفث زفيرا تهتز له شفتاه، ثم ينفجر فى ضجر .. يا ليتنى ما قضيت كل هذا العمر أسعى جاهدا وراء هذا البرواز.
تأتى والدته على صوته المدوى بأركان البيت المترب، فما عادت الأم العجوز تهتم بالحياة .. يسكن قلبها الحزن منذ أن تخرج ولدها الوحيد .. وهى تراه محطما مكتئبا، كل الأبواب توصد فى وجهه، ويعود يجلس جلسته المعتادة لساعات طويلة يتأمل البرواز، ترقيه .. تتألم لأجله، لكن ما باليد حيلة .. تجلس بجواره .. تطيب خاطره .. تواسيه .. تخفف عنه بالكلمة المعتادة : "الصبر يا ابنى .. " يرفع رأسه القابع بين ركبتيه، وينظر لها بألم وحسرة .. بعينين تتموج فيهما الدموع كموج بحر هائج فى يوم عاصف، وما أن تتقابل العيون حتى تنهمر الدموع بفيض ترسم على خديه مجرى لسيلها المتدفق ..
- لقد يئست يا أمى .. كرهت الدنيا .. كرهت نفسى .. كرهت ملابسى .. كرهت البرواز .. كرهت الفراغ الذى بداخلى ويحيط بى .. من أنا ؟!
أين كينونتى ؟! أين وجودى كإنسان مجتهد .. أين جهدى طيلة سنوات التعليم ؟!
كل هذا لا شىء .. لاشىء !!
أربعة أعوام من الجهد والتعب والسهر والمذاكرة والقلق والترقب والنجاح بتفوق فى كل عام .. أين كل هذا ؟! ما فائدة هذا البرواز وما فائدتى ؟!

يهدأ فى حضن أمه .. يرفع رأسه للبرواز فتقع عيناه على ما بداخله ..
" تشهد جامعة القاهرة أن الطالب صلاح محمد المنياوى قد حصل على بكالوريوس العلوم - قسم كيمياء - بتقدير امتياز .......".
يطأطئ رأسه المتخوم بالأشياء .. " ألف مبروك يا صلاح أنت المرشح الوحيد بلا منافس للتعيين معيدا بالقسم .. وما أدراك ما معيد .. يعنى مركز مرموق، وشهرة وعلم وحياة كريمة مترفة وفلوس وغيره .. ألف مبروك انت تستحق ذلك ..
يضحك صلاح .. تلمع عيناه بدموع الفرح .. ملامحه تبتسم .. وجهه مشرب بالفرحة، لقد وصلت يا صلاح إلى ما سعيت وتمنيت، لقد حققت الحلم ووضعت قدميك على أولى درجات سلم العلم والارتقاء والتقدم والاكتشاف وتحقيق الذات وإثبات أن المصرى عبقرى متميز فى كل المجالات .. الآن تسطيع أن تكون ..
يمشى فى الشارع بفرحته .. يحتضن الزحام والأشياء بعينيه المتراقصة بالفرحة .. يدخل بيته بثورة من التهليل والتحميد على فضل الله عليه .. يحتضن والدته ويدور بها فى ردهة البيت .. ابنك أصبح معيدا بالكلية يا ماما .. زغاريت تملأ البيت .. الجيران والناس يهنئون والحلوى والمرطبات توزع على كل آت وذاهب.

وسكن الليل ونامت كل العيون ولم تنم عيناك ولم يغمض لهما جفن من فرط الفرحة .. أخذت تراجع تجاربك اختراعاتك مقترحاتك مهاراتك أفكارك العبقرية ..
وبدأ الصبح ينشر نوره، وتسربلت شرفتك بضوء النهار، وفى رقة ونعومة تسللت إشاعة الشمس لحجرتك، فترى فيها إشراقة المستقبل .. تتوضأ تصلى الصبح وتتبعه بركعتى شكر لله .. ترتدى أشيك وأفضل ما لديك من ملبس .. ترتب حقيبتك الكيميائية .. تتهيأ أمام مرآتك .. تصفف شعرك .. تنظر له بزوايا عينيك من كل جانب فى المرآة .. تُقَبِلْ يدى والدتك فتدعو لك ثم ترقيك بالمعوذتين وآية الكرسى ..
ويخرج مبتهجا للكلية، يدخلها وهو يداعب كل من يقابله .. يتبادل التهانى مع زملائه .. يقترب من بعض زملائه فى القسم، ينظر لهم .. الوجوه عابسة .. النظرات مشفقة لا يبالى ويمضى .. يقابله صديقه وزميله المقرب محمد، يجده حزين الملامح، فيقترب منه يسأله ..
- ما الذى حدث فالوجوه بها أشياء تقلق ؟!
ترتعش يده التى تحمل الحقيبة، وقدماه التى تحمله .. ألم تعلم بما حدث ؟
صلاح يحاوطه الخوف والترقب لكلمات محمد ..
- ماذا حدث ؟! محمد يتردد فى إخراج الحروف .. يشعر وكأنها طلقات ستصيب صديقه ..
- ابنة رئيس القسم أخذت مكانك .....
تسقط الحقيبة من يده وتسقط معها كل الأمنيات ...
- كيف ..! وأنا الأول على القسم ؟!
- أنت الأول على القسم .. لكن والدك ليس رئيس القسم ... ؟!!

السبت، 10 يناير 2009

القُرّاضة

دموعك نار بتحرق قلوبنا
ابكى يمكن الحجارة تلين
عمرك يا ضى العين ما هاتنسى المشهد
وتقضى باقى العمر حزين

رجل بسيط لم يتعلم لا القراءة ولا الكتابة، لكن ما تعلمه من الحياة، ربما يكون أوقع وأبلغ مما تعلمه المتعلمون من أصحاب الشهادات العليا واصحاب المقام الرفيع فى مختلف مجالات حياتنا ....


الرجل بكل بساطة وعفوية رد على سلام صديق له قائلا :


- الحمدلله .. بخير بس ربنا يبعد عنّا القُرّاضة

اسغرب الآخر من رده وفكر مليا فيما يقصده الرجل ..


- القُرّاضة ..!!
- مش عارف القُرّاضة إللى عمّاله تاكل فينا واحنا مش داريانين .. ادعى بس انها ما تخشش علينا بعد ما تخلص على إخواتنا إللى عمَّالين يحدفوها بالطوب ..


وبدأت أفهم ما يقصد الرجل .. لكن بلدياتنا ما زال يهرش فى قفاه ..
ابتسم الرجل ابتسامة لا يمكن وصفها، ربما تكون ابتسامة خوف أو حزن أوسخرية أو ألم أو كوكتيلا من الأحزان والأشجان ...

- اليهود هجموا على غزة ياكلوا فى أهلها زى القُرّاضة بالظبط .. ما بيرحموش لا عيل ولا نسوان ولا كبار فى السن .. ما بيخلوش .. شفت القُرّاضة لما بتمسك فى حاجة .. أهم اليهود زيها بالتمام .. ناويين ما يطلعوا من غزة إلا ومخلصين على إللى فيها .. وياعَالِمْ بعد كده هاتروح على فين ..
أنا سمعت إنهم عاوزين منطقة غزة منزوعة البشر .. زى كده اللبن بتاع البندر منزوع الدسم .

وسِمعتْ إنهم عايزين يُطرِدوهمْ على سِينَا علشان يعمَّرُوهَا ويُقْعدوا فيها ..
أصلْ اليهود ملاعين، قالوا بَدَّلْ ما سِينَا فاضية ومُشْ لاقية اللى يعمرها نِنْقِّلْ بتوع غزة هناك .. ويبقى كده ضربوا غُرابين بطلقة واحدة - المثل الدارج والمعروف هو عصفورين وبحجر وليس طلقة، ولكنى فهمت من طريقة الرجل أنه يسخر، فبَدَّلَ العصفورين بغرابين والحجر بالطلقة - وبكده يَخْلَّصوا من غزة ويمهدوا لاحتلال سِينَا مِنْ تانى بحِجِةْ القضاء على المقاومة ..


الرجل الآخر يُنْصِتْ إلى صديقه باهتمام يشوبه الخوف المخلوط بالدهشة والرعب .. وفجأة وجدته يُلِمْلِمْ جلبابه مُتَلَفِتًا يُمْنَة ويُسْرَة كأنه يخشى شيئا أو يترقب دخول أسد عليه .. ثم اقترب من أذن الآخر هامسا فيها ..


- عَلِىَّ النِعْمَّة انت رَاجِلْ طَيِبْ .. انت مِصَّدِقْ إنْ الإسرائيليين مُشْ عارفين مكان المقاومة، دا يا ابنى خُرمْ الِإبْرَة فى غزة عارفينه وعارفين مين صاحب الإبرة ومين اللى بيقعد في الخُرمْ .. دى حِجَّة اتحَجِجِوا بِيهَا علشان يطَفِشُّوا الناس اللى فيها، وفرصة والعالم مَلْهِى فى المجاعة اللى داخلة علينا، وفى بوش المضروب بالجزمة، وفى أعياد الميلاد والسنة الجديدة اللى بشايرها بَانتْ قَبِلْ مَّا تِبْدَأْ، واللى غَطَى وِوَطَى فوز باراك بِتَاع أمريكا ..
عَلْىَّ النِعمَّة أنا خايف يطلّعْ ابن عَمْ إيهود باراك بِتَاع إسرائيل .. وساعتها تُبْقَى كِمْلِتْ وقول على العرب السلام .. سلام إيه ؟!
قول فناء .. يارب استر وارحم عبيدك ...

الآخر يُنَكِسْ رأسه حزنًا ويأسًا وألمًا وعجزًا .. يتحدث بصوت واهن ونبرة تُنْبِىء بثورة من البكاء وفيض مِنْ الدموع ...


- يا أخى إلاَّ ما حَدْ دَخَلْ يحوش مِنْ العرب .. الكل قال وأنا مالى ..
وكأن الناس إللى عمّالة تتدبح كل يوم دى مُشْ مِنْ لَّحمِنَا ودَمِنَا .. طَبَّقنَا المثل اللى بيقول :" تولع ما دام بعيد عنى .. "مع إن اللى قال المثل ده النار حصلته وولِعْ ..
أنا نفسى يا أخى تبقالنا كلمة وهيبة والكل يعمل لنا حساب .. علشان لما حد يسمعنا يحترمنا ويعرف إن لنا كرامة ونقدر نعمل، بدل ما احنا عاملين زى المِعِيِزْ اللى سارح بيها الديب .. يعنى يا هايكلها يا هايكلها .. مَفِيشْ خيار تَالتْ، ولو فيه يبقى بارضو هايكلها ..!!

وتحدث الرجلان بكلام لا أستطيع كتابته .. واصفين الوضع فى غزة بأفظع الألفاظ والشتائم لاعِنِين كل مَنْ بيده شىء يُقدِمَهُ ولَمْ يفعل و يتقاعص عن نصرة غزة.


قُمت منسحبا من بين الرجلين قبل أن يوجهوا لى أى كلام .. ليس خوفا من شىء، لكن لأنى لو تكلمت سأصرخ وأولول، وربما أشد فى شعرى وأخبط فى اللى جنبى واقول اللى ما اتقلشى .. اللى بيحصل فى غزة كتير .. كتير .. كتير
كتييييير ؟!
.................................................

الأربعاء، 7 يناير 2009

ولا حد سأل .. شكلى بأدن فى مالطة




ساعات البنى آدم بيحس إنه عايز يتكلم مع أى حد ..

مش علشان زعلان من حاجة أو فيه مصيبة حصلتله .. لكن علشان نفسه يصلح وضع غلط ومش قادر .. إما لأن الناس مش عايزه تمشى صح أو لأنهم تعودوا على كدا وتربوا على كدا ..


وفى النهاية تكون هناك مصيبة وأوضاع غلط بتلخبط حياتنا وتخلينا ماشيين نبص ورانا ونتكعبل فى خطاوينا...


امتى هانفوق من التوهان إللى احنا عايشين فيه ده .. وامتى الإنسان يحسبها صح ويحكِّمْ عقله فى تصرفاته، ويتحمل مسئولية نفسه .. امتى نخاف على بعض من أى حاجة تجرحنا أوتزعلنا وتهيننا ؟!


آسف أننى كتبت بالعامية ... فبرغم أنها أصبحت لغة التخاطب فى المجتمع الآن، إلا أنها خطأ عظيم فى حق هويتنا العربية وتاريخنا، لأنها تصنع هوة بين الشعوب العربية وتباعد بينها، وتوجد خلافات واختلافات بين أبناء الوطن العربى الكبير ـ أقصد الذى كان كبيرا وأتمنى أن يعود كبيرا ـ حتى أصبحنا لانفهم بعضنا لاختلاف اللهجات.



آسف لتحدثى باللغة العربية .. لأنها ربما تكون صعبة الفهم .. بس جميلة فى المعنى والتعبير والأسلوب واللفظ، والأهم من كل هذا هى لغة الأصل العربى الذى بدأ السوس
ينخر فيه.......


بلا هَمْ وزفت أخضر ..
اتكلم بأنهى لهجة أو لغة مش عارف .. احلف مية يمين ما أتكلم وألغى المدونة وأكمم حنكى بحتت كوهنة قديمة علشان اتعلم الأدب وأبطل فزلكة ..... هافكر فى الموضع .

الاثنين، 5 يناير 2009

أول مرة تدوين!


أول مرة هدون النهاردة.. ويا رب ما تكونش آخر مرة!

لأن اللي هقوله .. خطير .. وكبير .. ومرعب..

وربنا يستر على الكل!!

هتخوض المغامرة معايا؟

عندك الشجاعة الكافية؟

مستنييك...
ادخل برجلك اليمين.

قائمة المدونات الإلكترونية